التحوّل الرقمي.. بقلم: سامر يحيى

التحوّل الرقمي.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ٥ نوفمبر ٢٠٢٠

 ليس مجرّد اقتناء وسائل التكنولوجيا الحديثة، والتعامل مع الحاسب الآلي، إنّما هو استثمار الفكر وتغيير السلوك لإحداث تغيير إيجابي عبر تسخير التقنية التكنولوجية للعمل خدمةً للإنسان، بهدف توفير الجهد والوقت والمال وتسريع الأداء، وزيادة الكفاءة والإنتاجية وتقليل الأخطاء، دعماً لعملية التطوير والتحديث المفترض أن تكون مستمرة مستديمة في أيّ عمل مؤسساتي.
بكل تأكيدٍ كلّ منا يدرك حجم هذا الموضوع وأهميته، ولكن هل ما زلنا نخطئ بين المكننة والأتمتة والتحوّل الرقمي؟؟!! وهل نخشى من أن يؤدي التحوّل الرقمي للاستغناء عن الإنسان الذي هو من برمج الآلة، وهل  يدرك القائمون على عملية التحوّل الرقمي أنّ دورهم دراسة كافّة مناحي عملية التحوّل بإيجابياتها لتعزيزها، وسلبياتها لإيجاد الحلول لها، وهل نعتبر أنّ مجرّد وجود الحواسب الآلية لدى المؤسسات الحكومية، أو نسجّل عليها البريد اليومي وأرشفة الورقيات، تحوّلاً رقمياً، أمّ أتمتةً ومكننةً للعملية الإدارية، وجزءٌ بسيط من عملية التحول الرقمي، الذي هو عملية عميقة متكاملة الأركان والأبعاد والأهداف، لتشمل المؤسسة بكافّة أعمالها دون استثناء.
علينا ألا نخشى ذلك ما دام الإنسان هو الذي برمج الآلة، فهو القادرة على تطويرها وتنظيمها بما يساعد على مضاعفة عملية الإنجاز، وقادرين على تطوير جهوده وإمكانياته بما يساهم في جعل التكنولوجيا وسيلةً له تساعده في تطوير أدائه ومضاعفة إنتاجيته، فهو العقل الذي يزوّد هذه الحواسب بالبيانات والمعطيات والعمليات لتقوم بالمهام المنوطة به، ويستطيع تعديلها وتطويرها وتحديثها وإدخال البيانات ومعالجتها، استناداً لرؤية واضحةٍ وتحضيرٍ جديّ وملموس لها، ويكون هذا العقل فاعلاً في عملية دفع العمل المؤسساتي للأفضل، وخلق ثقافةٍ موحدة ومرونة تساهم في تقبّل التغيير بشكلٍ إيجابي، وإراحة الجسد البشرية وتلبية متطلّباته واحتياجاته وتخفيف الأعباء والضغوط عليه.
إن لدى الجمهورية العربية السورية من الكفاءات والقدرات والإمكانيات ما يشجّع يؤكّد أنّنا قادرون على النهوض بشكلٍ فاعلٍ وإيجابيٍ وبنّاء، فمثلاً في المركز الثقافي بأبو رمانة، تم تناول هذا الموضوع في محاضرة هامة تحت عنوان "التحوّل الرقمي... الأبعاد الاقتصادية والتنموية" وهنا نتساءل بما أنّه تم الإعلان عن الندوة، وأسماء المحاضرين الذين هما شخصيتان اعتباريتان لهمها دورهما وأهميّتهما في هذا المجال، وباعتبار أن الحكومة المكلّفة بإدارة موارد الوطن، ولديها مؤسسة متخصصة بعملية التحوّل الرقمي، وعقدت اجتماعاتٍ متتالية، وآخرها بعد يومٍ من عقد الندوة، ذكرت فيها بأنّها تدرس وتعمل على متابعة المراحل المنجزة لمشاريع بوابة الحكومة الالكترونية ومعايير التخاطب البيني ومشروع منهجية الترميز الوطني، ومنظومة المعاملات الالكترونية وبوابة المدفوعات الالكترونية، ومشروع قياس مؤشرات تقانة المعلومات والاتصالات والتوقيع الرقمي ومركز المعطيات الرقمي، وكلّ ما يتعلّق بهذا الموضوع. فهل خطر ببال القائمين عليها تكليف أحدٌ من المؤسسة "ضابط الإيقاع" لهذا التخصص بحضور هذه الندوة ومتابعة مجرياتها، والاطلاع على ما قد يضيفه الآخر من خلال نقاشات جانبية بعد انتهاء المحاضرة، بما يؤدي لتقديم فكرةٍ ودعايةٍ حقيقية للجهود التي تبذلها المؤسسة الوطنية بعيداً عن الخبر الإعلامي العابر، ومعرفة رأي المواطن، والذي من المفترض أن من يشارك بمثل هذه الندوات حضوراً أو محاضراً ينتمي لطبقة المثقّفين، وله تأثير ضمن محيطه، فتحقّق تلك المؤسسة هدفها وتمارس مهمّة "علاقات عامة حقيقية" كونها باتت صلة وصل بين المؤسسة والجمهور المثقف، مستفيدة من رؤاه وأفكاره، واطلاعه على رؤاها وأفكارها..
ضابط الإيقاع هذا المفترض أن يكون لدى المؤسسات الحكومية المسؤولة عن كل موارد الوطن، فهو المفترض أنّه ينسج الخيوط ويتابع عملية تداخلها لينظّم خطّ سيرها، لتكون جميعاً روحاً واحدةً، لننتقل إلى التحوّل الرقمي بسرعةٍ وإيجابيةٍ بآنٍ معاً، وهنا لا توجد استقلالية لمؤسسة حكومية منفردة، إنّما تتمثّل الاستقلالية بالاجتماع الدوري لمجلس الوزراء بكامل طاقمه، ودور المؤسسات هو إنجاز المهام الموكلة إليهم، وكل مؤسسةٍ هي "ضابط إيقاعٍ" ضمن تخصّصها، بحيث تكون العلاقة تعاون وتعاضد وتشاركية، لا تنافسية واحتكارية وتبعية وشخصانية.
إنّ عملية الإصلاح الإداري الأساسية هي بتفعيل دور "ضابط الإيقاع" الذي يؤدي للتخلّص من تحميل المسؤوليات للآخر، والانتظار حتى تأتي الأوامر من جهةٍ عليا، ونتجاهل المؤسسة التي تطلب معلومات وبيانات بحججٍ واهية، وأيّ حجّة أنّه لا يمكن لدور "ضابط الإيقاع" العمل على كافّة المؤسسات بنفس الوقت، متجاهلاً أنّ كل مؤسسةٍ لديها قسمٌ متخصص، وبالتالي يضيع الوقت، ونزيد من النفقات والهدر وسوء التنظيم، وتتحوّل الاجتماعات الدورية، والنقاش والحوار واللجان إلى ترسيخ الإهمال وزيادة العبء على المؤسسات، وفقدان الثقة والهيبة الحقيقية للمؤسسات الوطنية، وزيادة الفجوة بين الوطن والمواطن والمؤسسات الوطنية.
أيضاً تساؤلٌ مهم، صحيح يتعلّق بعملية التحوّل الرقمي، ولكنّه يشمل كافّة القطاعات المؤسساتية، هل جرّبنا وتساءلنا وأحصينا عدد أجهزة الحاسوب بكافّة أشكالها وأحجامها وأنواعها وسعتها، والمخدّمات ووسائل التخزين الاحتياطي والأساسي، وحجم المعلومات التي نتركها دون أرشفتها طالما لا حاجة لنا بها للتعامل بها بشكلٍ يومي، أو انتهت صلاحيتها وبقيت فقط لمجرّد الأرشفة، بحيث نخفف الضغط عن الشبكة، عدا عن إمكانية تبادل الكثير من الوثائق والملفات عبر الشبكة التي من المفترض أنّها باتت متوفّرة لدى كل المؤسسات، واقتصار الورقيات على مؤسسةٍ واحدةٍ رئيسية، لنخفف الهدر ونضغط النفقات، وبالتالي نتمكّن من استثمارٍ فعلي لما بين أيدينا، لننطلق بقوّة وإرادةٍ وطنية، بعيداً عن التخزين في غرفٍ مغلقةٍ، وما يتعبها من نفقاتٍ أهمّها النقد الذي صرف لشرائها، والحيّز المكاني الذي تأخذه ولا يستفاد منه، وتقادم الأجهزة التي تبقى في غياهب النسيان ومن ثم دون استعمال يتم إتلافها وتنسيقها لمرور الزمن...
كل موضوعٍ له عقبات وله سلبيات، ولكن هل نستسلم للسلبيات ونبرّر تأخيرنا للقيام بالإيجابيات، أم ندرس الموضوعات بكلّ جديّة ومهنية ووطنية، لمعالجة العقبات وابتكار الحلول، وتطوير الأداء وتأهيل العاملين بعيداً عن الأكاديمية الصماء، ومواكبة التطوّر العلمي والتقني والتكنولوجي، فما دام الرجل كبير السنّ أو الطفل قادراً على التعامل مع الهاتف الجوال ووسائل التواصل، فلن تعجز المؤسسات عن تأهيل العاملين لديها لمواكبة التطوّر العلمي والتقني، واستخدام أدوات التحوّل الرقمي، وربط التعليم بالعمل بتطوير التخصّصات الجامعية، بما يقطع الطريق على كل المحاولات الفردية والشخصانية تحت ستار القانون والاستقلالية، أو تخلّي ضابط الإيقاع عن دوره المنوط به، والوقوف بمنظر المتفرّج بانتظار التوجيهات والأوامر التي من المفترض أن يكون هو البادئ بدراستها وتقديمها للجهات الأعلى، لأنّها الأقدر على معرفة نبض الشارع والمراجع، ومن ثم تتم دراستها من قبل الجهات الأعلى وصولاً لصانع القرار الرئيس الذي يبحث بشكلٍ مفصّل عن الأسباب والموجبات، والتعليمات التي تساهم في سدّ الثغرات وتجاوز العثرات والعقبات، والنهوض بالوطن متّحدين الحصار والإرهاب والفساد وكل من تسوّل له نفسه وضع العصي بالعجلات، وبالتالي نحقّق تحوّلاً رقمياً حقيقياً نضاهي به الدول المتقدّمة ضمن إمكانياتنا والموارد المتاحة لدينا والعقول التي نؤمن بتفوّقها وقدرتها على تجاوز الحصار وكل محاولات التضييق والتشتيت والإلغاء...