ماذا نتابع في نتائج الانتخابات الأمريكية؟.. بقلم:د. منار الشوربجي

ماذا نتابع في نتائج الانتخابات الأمريكية؟.. بقلم:د. منار الشوربجي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٤ نوفمبر ٢٠٢٠

عند متابعة نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية بدءاً من ليلة الثالث من نوفمبر، لن تكون معرفة الفائز وحدها ذات أهمية، إذ لا يقل أهمية متابعة متغيرات عدة من شأنها أن تلعب دوراً رئيسياً في تحديد سياسة الولايات المتحدة الداخلية والخارجية لسنوات وربما لعقود قادمة.
أول تلك المتغيرات وأهمها هو العلاقة بين الفوز وبين التحول الديموغرافي الذي تشهده أمريكا. فالعامل الديموغرافي من أهم الاعتبارات التي أسهمت في فوز ترامب عام 2016.
فليس سراً أن نسبة الأمريكيين البيض في انحسار مطرد داخل الولايات المتحدة. ويُتوقع مع حلول 2040 أن يشكل غير البيض الأغلبية.
وتلك الحقيقة وحدها تثير قلق نسبة معتبرة من البيض، منهم قطاع لا يستهان به، خصوصاً من الذكور، له أفكار تنظر لتلك المسألة من منظور التفوق الأبيض، وتعتبر الأقليات بمثابة تهديد وجودي لهم ولأمريكا التي يعرفونها ويريدونها، أي أمريكا البيضاء المسيحية. وقد كان ذلك القطاع بأطيافه المختلفة هو المسؤول عن صعود ترامب للبيت الأبيض.
فليس جديداً أن الولايات التي صارت معقلاً للحزب الجمهوري، هي نفسها الولايات التي يمثل فيها البيض أغلبية كبيرة. إلا أن تزايد قلق البيض من تلاشي امتيازاتهم عندما يتحولون لأقلية كان قد تزامن في 2016 مع خطاب ترامب الذي لعب على هذا الوتر الحساس.
ومن بين تلك الأقليات التي ستشكل معاً الأغلبية، يمثل الأمريكيون من أصول لاتينية الأقلية الأسرع تزايداً في نسبتها لمجموع الأمريكيين. لكن انحسار نسبة البيض ليس متساوياً في كل الولايات.
فرغم أن نسبة البيض لمجموع الناخبين عموماً قد انحسرت في العقد الأخير من 76 % إلى 67 % أي بمقدار عشر نقاط كاملة، إلا أن الانحسار زادت وطأته ببعض الولايات، بينما ظل محدوداً في غيرها.
فعلى سبيل المثال، حدث تحول ديموغرافي مذهل في ولاية نيفادا، حيث انحسرت نسبة البيض بمقدار 15 % بالمقارنة بعام 2000، بينما انحسرت بواقع 12 % في ولاية أريزونا. حتى ولاية تكساس التي كانت من معاقل الجمهوريين، سيحدث بها تحول في المدى القصير، حيث زادت فيها نسبة الأقليات وانحسرت نسبة البيض بمقدار 12 % أيضاً.
ومن الأمور بالغة الأهمية أن الولايات التي حسمت أصوات المجمع الانتخابي لصالح ترامب فى 2016، وقد تحسمها هذا العام أيضاً، أي ويسكنسن، وبنسلفانيا وميشيغان من أقل الولايات التي حدث فيها تحول ديموغرافي. فلا تزال أغلبية ضخمة 86 %، من ناخبي ويسكنسن من البيض، بينما يمثلون 81 % في بنسلفانيا و76 % في ميشيغان.
بعبارة أخرى، كلما انحسرت نسبة الناخبين البيض، تحولت الولاية، أو صارت في طريقها للتحول، نحو الحزب الديمقراطي. ومن هنا تمثل فلوريدا استثناء، فانحسار نسبة البيض فيها بمقدار 13 % يختلف، لأن الأمريكيين من أصل لاتيني منقسمون فيها على أنفسهم بين الجمهوريين والديمقراطيين، بينما هم في الولايات الأخرى يميلون للحزب الديمقراطي، كباقي الأقليات. وفلوريدا بها نسبة معتبرة من كبار السن الذين ظلوا طوال العقد الحالي يمنحون الحزب الجمهوري أصواتهم. لكن ترامب استعداهم بسبب أداء إدارته في مكافحة «كورونا» الأكثر خطورة على المسنين بالمقارنة بباقي الفئات العمرية.
ومن هنا يظل من المهم متابعة العلاقة بين الفوز وبين التحولات الديموغرافية في كل ولاية على حدة.
أما المتغير الثاني الذي لا ينفصل عن الأول، فهو نسبة تصويت الأمريكيين من أصل لاتيني على وجه التحديد. فرغم أن تلك الأقلية هي الأكثر تسارعاً في ازدياد نسبتها لمجموع الناخبين، إلا أن تأثيرها على نتائج انتخابات الرئاسة ظل محدوداً لأن ناخبيها هم الأقل ميلاً للتصويت.
لكن العام الحالي قد يشهد تحولاً، لأن أغلبية ناخبيها صارت، لأول مرة، من الشباب الأكثر تعليماً، بل وليبرالية، بالمقارنة بالأجيال الأكبر سناً. ومن هنا، فالسؤال المهم هو ما إذا كانت تلك الفئة العمرية من الأمريكيين من أصول لاتينية ستدلي بأصواتها بالفعل، وبالتالي تحسم النتائج، خصوصاً في تكساس وفلوريدا لصالح مرشح الحزب الديمقراطي.
ومتابعة تلك التحولات أمر بالغ الأهمية، لأن من شأنها أن تغيّر وجه أمريكا في السنوات القادمة، وتحدث تحولات كبرى في سياساتها الداخلية والخارجية.