همسات في الغربة.. بقلم:الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي

همسات في الغربة.. بقلم:الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي

تحليل وآراء

الأحد، ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٠

مرهقةٌ أنا وما زال الطريقُ شائكاً أمامي ومثقلاً بالحجارة.. لابد من المسير، ولكن بخطى متسارعة!
الطيور تُحلق بعيداً عن موطنها ترتفع عالياً في الأفق.. تختفي وراء الضباب.. سماء مدينة (ليون) رمادي اللون قد حجبت الغيوم عنها نور الشمس.. الأمطار تتساقط بقسوة.. أغصان الأشجار تتمايل مع نسمات الهواء الباردة.. إنه الخريف قادم إلينا بجرأة:
أي قوةٍ نحتاج للمواجهة!
الأفكار تدور بي كأوراق الشجر المتساقطة والمتبعثرة في كل مكان تتطاير وتحملني بعيداً، حيث يهيم بي الشوق إلى مدينتي عاصمة الياسمين دمشق إلى موطني الأم سورية الصامدة.. 
الهموم أثقلت ليل عشاقها وأنهك الحصار قواها والتهمت النيران أشجارها وشردت أطفالها وأبكت نساءها..
أي صورة سوداء تراءت لي في غياهب هذه الرياح التي تجتاح حياتنا!
أي بؤس هذا الذي فُرض علينا؟؟
هل تستطيع الكلمات التعبير عن مشاعر الأسى والحزن.. التي يعيشها إنساننا السوري؟
هل تستطيع الألوان أن تعكس لحظات الغضب في عيون رجالها؟
هل تستطيع النغمات أن تجسد اليأس في عيون الأطفال؟
كيف الخلاص والذئاب تحيط بنا من كل صوب تريد أن تنهش جسدنا؟
هل نستطيع إطفاء الحرائق التي اشتعلت في كل مكان قبل أن نُطفئ نيران الجوع التي ستلتهم الأخضر واليابس!
الجوع 
وما أدراك ما هو الجوع؟؟
الجوع الذي إذا ساد ثارت له كل ثائرة وصار الإنسان في حالة تخبط ينعدم لديه الشعور بالأمان ويفقد معه القدرة على الإصغاء وهنا يحدث الانفجار؟
أليس هذا هو الهدف المرسوم لنا؟
أن نمزق بعضنا البعض !
فأين نحن من الحياة؟؟
كيف لنا أن نطفئ النيران والأحقاد ما زالت تشتعل في القلوب؟
كيف لنا أن نُحارب الجوع والجشع قد استفحل في النفوس؟
من يتلاعب بقوت الناس يعرف معنى الجوع أم أنه لا يعرف الشبع أبداً؟
أين نحن من الإنسانية؟
ماذا عن الجوع العاطفي؟ أليس هو أشد خطورة من الجوع الفيزيولوجي؟
عندما يفتقد الإنسان إلى العاطفة يلجأ بالتعويض عن ذلك بالتهام كل ما يجده حوله.. يلجأ إلى إملاء معدته عله يُهدئ من روحه الثائرة المتعطشة للحب، حالة اضطراب عاطفي ......ولكن هل يملأ الطعام هذا الفراغ؟؟
المرحلة قاسية وصعبة جداً وقد عانينا الكثير والحرب مستمرة وربما تكون في ذروتها فخطورتها أكبر الآن لأن إنساننا قد أصابه الإعياء والإنهاك.
الكثير قد أصابهم اليأس وهذا هو الهدف المرسوم!
وما زال الكثير صامدون حتى الرمق الأخير
 يجب أن لا نفقد الأمل.. أن لا نفقد الإيمان بأن هذه المرحلة ما هي إلا سحابة سوداء ولابد من أن تنجلي.
ألا نتساءل في أعماقنا كيف صمدت دمشق طوال السنوات السابقة، وقد تكالبت عليها الأمم وانهالت عليها السهام من القريب قبل البعيد!
ألم يتجلى للكثير بأنه لا أحد يستطيع المساس بوجود دمشق!
مرحلة مفصلية في حياة كل إنسان سوري يحتاج معها إلى الثبات إلى الأمل.. إلى الإيمان بقدسية وطنه.. إلى التماسك والتعاون.. إلى الصراحة البناءة التي تخلق الثقة المتبادلة.
نحتاج إلى إنسانيتنا.. نحتاج إلى الدموع الطاهرة التي تغسل عنا شؤم وشرور هذه المرحلة.
نحتاج للحب حتى نتابع المواجهة.. فلابد من المسير، ولكن بخطى متسارعة....
فالرؤية اتضحت.
nadaaljendi@hotmail.fr