عودة الإصدار المطبوع!.. بقلم: زياد غصن

عودة الإصدار المطبوع!.. بقلم: زياد غصن

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٠

وحدها الصحف لم يرفع عنها بعد “حظر” كورونا..
إذ إن طباعة الصحف العامة والخاصة كانت قد توقفت في منتصف شهر آذار الماضي، وذلك على خلفية الإجراءات الاحترازية الحكومية المتخذة لمنع تفشي فيروس كورونا، وهي إجراءات بدأت تخف تدريجياً بعد عدة أسابيع لتعود الحياة في البلاد إلى طبيعتها، وآخر ما حرر في هذا الشأن عودة مطار دمشق الدولي للعمل بداية الشهر الحالي..
إذاً.. لماذا لم يعد الإصدار الورقي للصحف؟
أو لنطرح السؤال بصيغة أخرى لمناقشته بطريقة منطقية: هل هناك ما يمنع عودة الإصدار الورقي للصحف؟
عملياً ليس هناك ما يمنع عودة الإصدار الورقي للصحف، على الأقل بالنسبة إلى الصحف الرسمية، وهذا استنتاج له ما يؤيده على المستوى الصحي أولاً، وعلى المستوى المهني والمؤسساتي ثانياً..
فإلى جانب حقيقة أن العديد من الصحف العربية والأجنبية استمرت بالصدور الورقي أو عادت إليه خلال الفترة الماضية، فإن استمرار الحكومة في طباعة الكتب المدرسية والجامعية وتوزيعها على أكثر من 4 ملايين تلميذ وطالب، يفرغ الأسباب الصحية لعدم طباعة الصحف من مضمونها ويشكك في مصداقيتها، خاصة أن السوريين أيضاً يتداولون يومياً في تعاملاتهم التجارية ملايين الأوراق النقدية الورقية.. فهل احتمالية انتشار أو انتقال فيروس كورونا محصورة فقط بالصحف المطبوعة؟
لذلك يمكن القول: إن استمرار عدم طباعة الصحف، لم يعد اليوم قراراً مبنياً على مخاوف صحية، وإنما هناك أسباب أخرى تتعلق بالموقف الحكومي “السلبي” من الصحافة الورقية في ظل سطوة الإعلام الإلكتروني بمختلف وسائله، وتتعلق كذلك بواقع الصحف الرسمية مهنياً وإدارياً ومالياً..
وأعتقد أنه هنا يكمن فعلاً “مربط الفرس”..
فالفريق الرسمي المعارض لإعادة طباعة الصحف الرسمية، يبني قراره هذا على إحدى الحجتين التاليتين:
-الأولى وتتمثل في الاعتقاد بفقدان الصحافة الرسمية المطبوعة لأهميتها في ظل الانتشار الواسع لوسائط الإعلام الجديدة وتأثيرها البالغ في نشر ونقل المعلومات على المستوى الشعبي، ويستشهد على ذلك بتراجع توزيع الصحف في عصر يتمكن متصفح ما من إنشاء صفحة على شبكات التواصل الاجتماعي، وكسب آلاف المعجبين والمتابعين.
لكن يتناسى مؤيدو هذا الرأي أن الصحافة المطبوعة كانت ولا تزال الأفضل بين مختلف وسائل الإعلام بشقيه القديم والجديد لجهة تقيّدها واحترامها لقواعد العمل الصحفي أثناء جمع المعلومات وتدقيقها وتحليلها ونشرها، في حين أن المعاناة الرسمية والشعبية الحالية مع شبكات التواصل الاجتماعي تكمن في نشرها لمعلومات غير صحيحة أو منقوصة أو استثمارها لتحقيق غايات ومصالح خاصة.. إلخ.
وتحت هذه الحجة يندرج أيضاً مبرر البعض ممن يأخذ على الصحافة الرسمية المحلية تراجع مستواها المهني، “ابتعادها عن قضايا الشارع، والتصاقها بوجهة النظر الحكومية.. إلخ”.
والسؤال: هل حل كل ذلك هو في إلغاء الصحف المطبوعة، أم في تطويرها إدارياً ومهنياً؟
-الحجة الثانية ومحورها الرغبة الحكومية بترشيد الإنفاق المالي، وغالباً ما تتوجه سهام ذلك المشروع نحو الصحف الرسمية المطبوعة باعتبارها الحلقة الأضعف أو الأكثر استهدافاً، وقد تم ذلك خلال السنوات السابقة من خلال تخفيض عدد صفحات كل صحيفة بالنسبة للصحف المركزية، ووقف طباعة صحف المحافظات، وتخفيض عدد النسخ المطبوعة يومياً.. وقد وصل الأمر أحياناً ببعض الوزراء إلى حد اقتراح إلغاء إحدى الصحيفتين اليوميتين (تشرين أو الثورة).. وعندما توقف الإصدار الورقي لجميع الصحف بسبب كورونا، باتت عودتها تحسب مالياً قبل جدواها السياسية والتنموية والاجتماعية والفكرية..!
وللأسف، فإن معظم مؤيدي هذا الطرح يتعاملون مع ملف الصحافة المطبوعة كما يتعاملون مع أي ملف آخر، من دون أدنى اعتبار إلى أهمية وضرورة المنتج المعرفي والإعلامي الذي تقدمه الصحافة المطبوعة، والذي لا يكلف خزينة الدولة إلا النزر اليسير مما تكلفه صحف ووسائل أخرى، وهذا الاستنتاج تدعمه البيانات والأرقام.. وما أكثرها لدينا.
ليس هناك بلد واحد في العالم تغيب عنه الصحف المطبوعة، بما في ذلك الدول التي قطعت أشواطاً كبيرة في استخدامات التقانة والمعلوماتية، وتالياً فإن عودة الصحف المحلية إلى إصدارها الورقي، هو أحد الضرورات السياسية والاجتماعية والإعلامية.. أما شكل ومحتوى تلك العودة، فهو يبقى رهناً بطريقة إدارة الملف ومعالجته وفق معايير مهنية بحتة.
تذكير: الإنفاق على الصحف الرسمية لا يتعدى تكلفة تزفيت طريق واحد أو تبديل أرصفة شوارع في منطقة معينة أو تكلفة مستلزمات تعليمية غير صالحة للاستخدام.. إلخ، وفي أحلك ظروف البلاد لم تتوقف، سواء في فترة حصار الثمانينيات أو خلال السنوات الأصعب أمنياً في الحرب الحالية على بلدنا.