كُتُب عن ترامب.. بقلم: أحمد مصطفى

كُتُب عن ترامب.. بقلم: أحمد مصطفى

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٤ أكتوبر ٢٠٢٠

لا أظن أن هناك رئيساً لأمريكا حظي بمثل هذا العدد من الكتب التي نشرت عنه قبل أن يكمل أربع سنوات في البيت الأبيض، مثل الرئيس دونالد ترامب. ومع أنه من الصعب إحصاء كل الكتب التي نشرت عن الرئيس الحالي، إلا أنها بالعشرات بالفعل. ولا يمكن ادعاء أن المرء قرأ أغلبها، لكن على الأقل قرأت عدداً لا بأس به، ومراجعات لكتب أخرى لم أتحصل عليها بما يكفي للخروج ببعض الخلاصات من كل مما كتب ونشر عن الرجل حتى الآن.
ربما من المهم الإشارة إلى أن ما قرأته كاملاً هو كتب في أغلبها لمسؤولين سابقين عملوا مع الرئيس، ويحملون ضغينة تجاهه، مثل كتاب مدير المباحث الفيدرالية السابق جيمس كومي «ولاء لسلطة أعلى»، وكتاب أوماروزا نيومان «المضطرب»، وكتاب مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون. إضافة إلى كتابين للصحفي الاستقصائي المخضرم بوب وودوارد: «خوف» عام 2018، و«رعب» الشهر الماضي، وهما ما يمكن أن يطلق عليهما أن فيهما قدراً من الموضوعية.
هناك كتب مغالية في الشطط في انتقاد ترامب، مثل كتاب ابنة أخيه ماري ترامب، وكتاب مايكل وولف «حريق وهلع»، وكتاب محاميه السابق مايكل كوهن «الخائن»، الصادر الشهر الماضي. وهناك كتب مؤيدة لترامب أيضاً، مثل كتاب كريس كريستي، وكتاب «صناعة الرئيس» لصديق ترامب روجر ستون الذي أصّر ترامب على إلغاء حكم المحكمة بسجنه، وكتاب النائب الجمهوري المخضرم نيويت جنجريتش «فهم ترامب»، وغيرها.
بالطبع لعبت شخصية ترامب الدور الرئيسي في جعله مادة دسمة لتأليف الكتب ونشرها عنه، باعتباره قدم إلى عالم السياسة والحكم من عالم برامج تلفزيون الواقع، أكثر منه قادماً من عالم المال، والأعمال. لكن الأهم في تصوري هو ما أحدثه، ويحدثه، ترامب من انقلاب في طريقة إدارة شؤون أقوى، وأغنى بلد في العالم الآن.
وإذا استبعدنا كل ما هو شخصي بشكل فج، سواء من انتقادات، أو مديح، يمكن أن تستنتج من عشرات الكتب تلك صورة ما عن إدارة الرئيس ترامب في فترة حكمه الأولى. وأهم ملمح في تلك الصورة أنه لا يحكم مثل أحد مثله في تاريخ الولايات المتحدة، وأنه لن يترك الحكم إلا وقد رسخ بالفعل ما سيصعب تجاوزه من أي رئيس يأتي بعده.
ورغم أن أغلب تلك الكتابات يرسم صورة سلبية فجّة لرجل لا يسمع إلا نفسه، ويتخبط في اتخاذ القرارات، ويتصرف بانفعال دائم يجافي العقلانية والرزانة، فالحقيقة أن دونالد ترامب يعي ما يفعل تماماً، ويتصرف بطريقة في غاية الدهاء، والخبث، لكن بطريقة مختلفة عما أصبح اعتقاداً راسخاً عن طريقة عمل ماكينة السياسة الأمريكية.
تلك التصرفات الصادمة التي أدت إلى خلخلة أسس «دولة المؤسسات»، ودور مراكز البحث والاستشارات في التأثير في اتخاذ القرارات يصعب تصور أنها تصدر عن شخص «لا يدرك ما يفعل»، كما يصور منتقدوه في كتبهم. ولا يمكن تصور أيضاً أن دونالد ترامب لا يعي بوضوح معنى أن يكون رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم. بل على العكس، ربما هو يدرك ذلك أكثر مما يمكن تصوره، ولذا تأتي تصرفاته هكذا في محاولة الانتقال من تراكم بيروقراطية دولة إلى طريقة إدارة شركة قابضة عالمية تحتها كل دول العالم كمجموعات، وشركات فردية.
وبالتأكيد، لا يريد دونالد ترامب لأمريكا أن تتحول إلى دولة «عالم ثالث»، أو أن يصبح هو ديكتاتوراً يحكم بشكل مطلق. لكنه في الوقت نفسه يحكم بالقرارات التنفيذية الرئاسية في أغلب الأحيان، متجاهلاً السلطة التشريعية (الكونجرس)، ليس لأنه يريد إلغاءها، وإنما يريد تقليص بيروقراطيتها، كما هو الحال حتى مع الإدارات التنفيذية في الحكومة.
وسيظل ترامب مادة خصبة للكتابة عنه، سواء كتب، أو مقالات رأي، أو حتى تقارير وتحقيقات صحفية، لفترة، سواء فاز بفترة رئاسية ثانية في انتخابات الشهر القادم، أم لا. وغالباً ما سيكون معظم تلك الكتابات «ترفيهية»، ومزركشة، كما هي طبيعة شخصية الرجل، إنما القليل منها هو الذي سيلقي الضوء على التغيير الجذري الذي أحدثه ترامب في السياسة الأمريكية. وربما بعد فترة من مغادرته البيت الأبيض، وظهور «تأثير ترامب» في طريقة حكم من يأتي بعده، سنجد من يكتب عن هذه الفترة بأثر رجعي راصداً هذه التغييرات التي نعيشها الآن خارج الكتب والإعلام.