وباء إلكتروني.. بقلم: أحمد مصطفى

وباء إلكتروني.. بقلم: أحمد مصطفى

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٠

لنتخيل ماذا يمكن أن يحدث في حال انقطاع الإنترنت لفترة عن منطقة كبيرة أو حتى انقطاع الكهرباء لمدة طويلة
لم يعد الصراع الأمريكي-الصيني صراعاً تجارياً فحسب، بل أصبح يركز على قطاع معين هو اقتصاد الإلكترونيات والإنترنت، وأحدث تطوراته هو توجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحظر بيع التكنولوجيا لنظيرتها الصينية. وبالنسبة للولايات المتحدة، لم يعد الأمر قاصراً على الصين، بل إن هناك اتجاهاً لتركيز شركات التكنولوجيا والإنترنت الكبرى والمهمة في يد شركات أمريكية.
بدأ الأمر بقرارات وإجراءات إبعاد شركة هواوي العملاقة، ليس فقط عن سوق الموبايل وشبكات الجيل الخامس في أمريكا، بل وحث دول غربية أخرى كبريطانيا وكندا واستراليا على أن تقوم بالمثل. ثم حظر تطبيق «تيك توك» للفيديوهات القصيرة ما لم تنقل ملكيته لشركات أمريكية وتكنولوجيته إلى أمريكا، وحظر تطبيق «وي تشات» الصيني أيضاً.
ربما كان المبرر المعلن، خاصة في الصراع بين أمريكا وكل من الصين وروسيا مثلاً، بشأن «أمن المعلومات» منطقياً، لكن الواضح أنه بعد أزمة وباء كورونا أصبح الأمر يتجاوز ذلك ولا يعني مواجهة خطر سرقة تكنولوجيا أو بيانات لاستخدامها في منافسة تسويقية أو حتى لتأثير سياسي. بل قد يكون ذلك في سياق استعداد العالم لاحتمالات جديدة لن يستطيع مواجهتها إلا من يستحوذ على شركات التكنولوجيا الرئيسية وشركات وشبكات الانترنت الرئيسية أيضاً.
لا يعود ذلك فقط إلى نمط جديد فرضه وباء كورونا على العالم، من حيث الاعتماد أكثر على الإنترنت والتكنولوجيا من التسوق الإلكتروني إلى العمل من المنزل، وإنما التحسب لما يمكن وصفه بأنه «وباء تكنولوجي» يضرب العالم قد يكون أخطر من وباء كورونا. فمع زيادة الاعتماد على الإنترنت وتكنولوجيا الشبكات لن يقتصر خطر القرصنة أو هجوم بفيروس إلكتروني على صناعات حساسة أو مصالح حكومية مهمة تدار الكترونياً، بل قد ينتشر الوباء ليطال أغلب نشاطات البشر ويشل حركة العالم فعلاً.
وإذا كانت شركات تطوير برامج الحماية من الفيروسات والقرصنة عمدت في السابق إلى «تخويف» مستخدمي الإنترنت والكمبيوتر من القرصنة وهجمات الفيروسات البرمجية لترويج منتجاتها المضادة للفيروسات، فإن الخطر المتوقع قد يتجاوز محاولة خلق طلب على برامج الحماية. هذا لا يمنع بالطبع أن تنشط تلك الشركات المطورة لمضادات القرصنة والفيروسات البرمجية لتسويق منتجاتها. وكل من لديه اشتراك في أحد هذه البرامج الوقائية لاحظ في الآونة الأخيرة، منذ بداية انتشار وباء كورونا، زيادة رسائل البريد الإلكتروني وعمليات التسويق الرقمي الأخرى التي تحثهم على تأمين أجهزتهم وزيادة «حوائط الصد» ضد أي عمليات قرصنة أو اختراق فيروسي.
وتشكل الهواتف الذكية الآن، مع اتساع نطاق استخدامها وارتباطها بشبكات الانترنت، الحلقة الأضعف والنقطة الهشة التي يمكن من خلالها انطلاق وباء من مجرد عملية قرصنة أو هجوم بفيروس أو برنامج خبيث. صحيح أن شركات تطوير أجهزة الموبايل تطور برامج حماية أساسية، ويمكن أيضاً الاستعانة بما تطوره الشركات المتخصصة في الحماية الإلكترونية، لكن القراصنة وهواة تطوير الفيروسات الإلكترونية لا يتوقفون عن الابتكار. وكما تقول إحدى نظريات المؤامرة إن فيروس كورونا الجديد نتج عن عمليات تطوير في مختبر ما وتسرب، فمن الوارد أيضاً أن يؤدي تغيير حرف أو رقم في سطر واحد من برنامج قرصنة أو فيروس برمجي خبيث إلى جرثومة إلكترونية غير معروفة تضرب الشبكات والأجهزة حول العالم، والتي أصبحت في ظل نمط الحياة مع وباء كورونا أكثر ارتباطاً وتفاعلاً.
بالطبع، لا يستبعد أن يكون هناك حالة من «الهلع التسويقي» تروجها شركات التكنولوجيا والبرمجيات. لكن مهما كان حجم المبالغة في تصوير الخطر لإقناع الناس باستهلاك برامج الحماية وتأمين الشبكات والأجهزة، فاحتمال حدوث وباء برمجي على نطاق واسع وارد أيضاً. ولنتخيل ماذا يمكن أن يحدث، خاصة الآن، في حال انقطاع الانترنت لفترة عن منطقة كبيرة أو حتى انقطاع الكهرباء لمدة طويلة أو تعطل أنظمة التحكم في المرور أو ما شابه. ربما لا يكون الأمر مثل أفلام الرعب الإلكتروني الهوليوودية، لكن الخطر يظل حقيقياً ومثيراً للمخاوف.
وإذا كان العالم تعلم شيئاً من مواجهة وباء فيروس كورونا، فعليه الآن الاستفادة مما تعلمه للاستعداد لمواجهة احتمال وباء فيروس برمجي. مع الأخذ في الاعتبار أن مواجهة وباء الكتروني سيعني الحاجة للشبكات والأجهزة التي قد تتعرض لخطر الهجوم. وأول سبل الوقاية أن نتوقف عن وصف كل شيء بأنه «مؤامرة» ونتحسب لكل الاحتمالات بكل ما لدينا من أدوات والتعاون مع الآخرين في سبيل الوقاية من خطر محتمل.