“الإبراهيمية” أو الدين في خدمة المستعمر.. كيف النجاة؟.. بقلم: رانية الجعبري

“الإبراهيمية” أو الدين في خدمة المستعمر.. كيف النجاة؟.. بقلم: رانية الجعبري

تحليل وآراء

الأحد، ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٠

هل يدرك المؤمنون في العالم العربي، أن صلواتهم وطقوسهم التي أدّوها في النصف الثاني من القرن العشرين، ومطلع الألفية الثالثة، لم تكن مفتاحاً لباب الجنة الكائن عند الله، بل إن أميركا هي الطرف الأوحد الذي دخل جنة الهيمنة جراء منطق تدين الأمة العربية السلفي الوهابي خلال الألفية الماضية؟
ديانة جديدة في مختبرات التنفيذ السياسية
تتحدث أستاذة علوم سياسية مصرية هبة جمال الدين خلال لقاء أجرته معها قناة “نعرف” على موقع “يوتيوب” عن الابراهيمية قائلة “هذا الموضوع بدأ عام 1990 كدراسة، في عام 2000 بدأ تنفيذه على الأرض، وفي عام 2013 بدأت مأسسته في وزارة الخارجية الأميركية”، مبينة أنه سيتم استخدام سيدنا إبراهيم كجذع شائع بين الديانات والحديث عن القيم الجميلة الروحية المشتركة بين الديانات، لتنحية المختلف عليه والحديث عن المشترك فقط”.
وتضيف جمال الدين أنه مع مرور الوقت فإن المشترك سيحظى بالقدسية وسنصل في النهاية إلى إعطاء الحقوق السياسية للشعوب الأصلية على الخريطة السياسية من الكتاب المقدس، ومن النصوص المتفق عليها بعد الحوار.
بدأت مأسسة هذا الدين في العام 2013 لديها داخل وزارة الخارجية، وفق ما تقول جمال الدين، حين “تم إحضار مئة دبلوماسي نصفهم رجال دين من الأديان الثلاثة”، وذلك عندما كانت هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية الأميركية.
وشرحت بأنه تم جمع 50 رجل دين من مختلف الطوائف والأديان وعملوا كدبلوماسيين مع 50 مفاوضاً تحت اسم “السياسة الخارجية”، وفيها تم الحديث عن ضرورة تسليط الضوء على المشترك الديني بين الأديان الثلاثة، وهذا المشترك سيتم وضعه في كتاب، وهذا الكتاب ستكون له القدسية، بعد نزع القدسية عن المقدس، وكذلك نزع القدسية عن دور العبادة القديمة (المسجد والكنيسة والكنيس اليهودي) بحيث تكون القدسية للأماكن الجديدة التي تحمل اسم هذا الدين.
وأشارت جمال الدين إلى أن التصالح بين الأديان الثلاثة – ضمن هذه الوصفة – يصب في صالح إسرائيل، واستشهدت بمراجعات لفوكوياما في العام 2010، قال فيها إن سيادة النموذج الأميركي ستكون عبر صهر الأديان.
والولايات المتحدة الإبراهيمية حسب مشروع الخارجية الأميركية يضم الدول العربية حتى المغرب العربي والجزيرة العربية بالاضافة إلى إيران وتركيا وإسرائيل.
إدراك منطق الحرب هو الأهم
يعتقد الناس اليوم أن مجرد معرفتهم لمبادئ الدين الإبراهيمي، الذي سيشكل أساساً للتطبيع وإعادة تشكيل المنطقة وفق أسس دينية مصالحية فقط، كاف لرفضه.
في الحروب التقليدية، المعرفة وحدها كافية، لكن في الحروب الثقافية، معرفتك بما يجري لا تكفي، بل من المهم أن يتوفر مشروع مناقض للدين الإبراهيمي، وقيام هذا المشروع يتطلب وجود مشروع اقتصادي ووطني وفكري متكامل.
بعض الدول العربية ذات الطابع المقاوم، سوف تسعى بكل ما أوتيت من قوة للتمسك بطريقة التدين التقليدية لمواجهة الدين الجديد، فإن فعلت ذلك، ستكون جاهلة بأسس الصراع الثقافي، لأن طريقة التدين التقليدية التي يدين بها أغلب العرب اليوم إنما تم تصنيعها في الغرب، ومنطقها لا يتنافى مع الرأسمالية، بل إن طريقة التدين التقليدية أسست أتباعها – وقد أصبحوا اليوم اهلنا وجيراننا – على الخنوع والتقرب الى الله خوفاً من عذابه. بالتالي هي نزعت منطق المقاومة والندية من أعماق الناس.
 وعندما أصبح الإسلام أساس هوية غالبية العرب، أدى ذلك إلى تمييع الهوية، فأصبح المسلم الأندونيسي أقرب من العربي المسيحي، الشريك في التاريخ والأرض والمشروع الحضاري.
وإذا تم أخذ الحجاب كنموذج على ذلك، فإن الحجاب لم يكن يوماً جزءاً من التاريخ الديني والثقافي الوازن في حضارتنا، وتعامل رجال دين وقضاة عرب معه بتهاون مطالع القرن الماضي، لكن تم التشديد عليه في وصفة الدين الصادرة إبان توقيع مبدأ أيزنهاور وانتشار التدين الوهابي، لكونه يشكل شرخاً اجتماعياً ممتازاً، فيه يتم التمييز بين المسلمة والمسيحية في بلادنا ببساطة.
تقول حنان عسلي شهابي في كتابها (المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني) “أما سائدة جار الله، ابنة القاضي حسام جار الله، فقالت إنها وأخواتها كن من أوائل الفتيات اللواتي نزعن الحجاب في القدس. ولما سألتها امرأة عن سبب عدم ارتدائها الحجاب، وعما إذا كان زوجها في المستقبل سيقبل بذلك، ردت عليها قائلة: (إذا كان الشيخ حسام جار الله قد أعطاني الإذن برفع الحجاب، فليس هنالك من إنسان يستطيع إجباري على ارتدائه)”.
عند تتبع تاريخ الشام القريب، نجد أن سائدة جار الله هي أحد النماذج وليست الوحيدة التي تخلت عن الحجاب في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، لكن الحجاب كان أحد المظاهر التي اكتسبت قداسة غير مبررة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وهذه المظاهر شحنت الأمة العربية بمشاعر دينية على صعد عديدة تم استخدامها سياسياً بما يخدم الصالح الأميركي.
المشروع الوطني هو الحل
صاغت مراكز الأبحاث الغربية قيما دينية تخدم السياسة الأميركية والغربية في المنطقة وراحت تبثها إعلامياً وعبر جماعات دينية في مجتمعاتنا. هذه “القيم” أفرزت أقبح أشكال التدين وتمثلت في كراهية الآخر وكانت ذروتها في داعش وجبهة النصرة. النموذج الجديد هو “الدين الإبراهيمي” الذي بات على الطريق. وبالتالي، فإن السعي لتشكيل طريقة تدين وانتماء للموروث الديني الحضاري لن تكون عبر العودة إلى طريقة تدين صيغت أساساً في مراكز البحث والاستخبارات الغربية، عدا عن أن صلاحيتها انتهت فعلاً منذ اليوم الأول لتمدد داعش في المنطقة.
لا يمكن صياغة شكل من أشكال التدين ينجينا من أطماع المستعمر – قبل أن ينجينا من نار الآخرة – إلا بوجود مشروع وطني عربي اقتصادي وبعدها يتم تحديد شكل ارتباط الناس بموروثهم بما يخدم المصالح العربية.
وحتى لا يرضخ العرب للدين الإبراهيمي، عليهم أولاً أن يدركوا حجم الخديعة الدينية التي انطلت عليهم في العقود الماضية، وأن يضعوا نصب أعينهم مشروعهم الوطني الذي يؤمنون به، ومن ثم يفكرون بشكل الارتباط بموروثهم بطريقة تنهض بالأمة العربية ولا تلقيها في نيران استغلال مواردها من قِبَل الغرب.
* صحافية اردنية