السرّ في الاتصال.. بقلم: سامر يحيى

السرّ في الاتصال.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ١٧ سبتمبر ٢٠٢٠

 يُحكى أنّ سفينة عملاقة أصيبت بعطلٍ في المحرّك، فاستعان طاقمها بالخبراء الموجودين على ظهرها ففشلوا، وكان على الشاطئ رجل عجوز له خبرةٌ طويلة بصيانة السفن، طلبوا منه المساعدة، فعمل على فحص المحرك بأدواته البدائية، وطرق المحرّك طرقةً خفيفة فتمّت عملية الإصلاح، وطالب طاقم السفينة بعشرة آلاف دولار، دولاراً ثمن الإصلاح، وتسعة الاف وتسعمائة وتسع وتسعون دولاراً ثمن معرفة أين يتم الطرق، فالمهارة والخبرة والممارسة هي التي ساهمت في إيجاد الحل.
بغضّ النظر عن واقعية القصّة، لكن من المفيد الاستفادة منها في تفعيل الأداء المؤسساتي الحكومي، فالمهارة المستندة إلى علمٍ ومعرفة ونظرية أساس النجاح، والتدريب والتأهيل المؤسساتي المستمر ـ بعيداً عن الأكاديمية الجامدة ـ سرّ اكتساب الخبرة وجوهرها، فالنظريات إن لم تتكامل مع الواقع تبقى خاوية، والعمل المكتبي والورقي إن لم يتلازم مع المتابعة على أرض الواقع، وسبر أغوار العامل لمعرفة قدراته وإمكانياته بما يتناسب مع الموارد المتاحة وحسن استثمارها، فهو خسارة، لأنّ كلّ يومٍ يفترض أن يكتسب العامل مهارةً وأسلوباً جديداً في التعامل مع الموضوع القائم عليه، لإنجازه بأكمل وجه، وتسهيل طرق تنفيذه، وإلا فإنّ هذا العامل مجرّد عاملٌ مكتبي لا يعمل ويشكو من قلّة المرتّب متجاهلاً أن مضاعفة أدائه وعمله سيؤدي تلقائياً لزيادة دخل المؤسسة التي ستنعكس على أداء الجميع.
هل من المهارة والخبرات أن نجد تعطيلاً لمؤسساتنا بحجّة وباء كورونا، أو توجّه بعض المؤسسات موظّفيها للجلوس في منازلهم خشية انتشار الوباء، وآخرون يطالبون بفرض الحظر الكلي، وقسم ضد الحظر بل استثمار الجهود، فهل تجاهل الجميع أنّ بعد عدّة اشهرٍ من المعاناة، والاستفادة من تجارب الآخرين، أن نكون قد اكتسبنا الخبرة والمعرفة والمهارة في التعامل مع هذا الوباء، وقد تمكنّنا من إعداد العدّة الكاملة من أجل الوقاية منه ووقف انتشاره بعاداتٍ إيجابية المفترض أن تكون قبيل كورونا وتستمر، كالاهتمام بالنظافة المنزلية والشخصية والبيئية والعملية، وهل تجاهلنا أن درهم وقايةٌ خير من قنطار علاجٍ، أما دقيقة كسلٍ أو تأخر فهي دمارٌ للوطن ومؤسساته.
المهارة الوظيفية والأداء العملي الفاعل، والإيمان بأنّ الجميع يعمل لأجل الوطن بكافّة أبنائه، تجعله اكتسب المهارة والرؤية والفكرة المناسبة لعقد اللقاءات والنقاشات والحوارات ضمن اجتماعات ثنائية أو جماعية وصولاً للاجتماع الدوري للمؤسسة الأعلى التي تدير موارد البلد، لحل المشكلات، ومجابهة التحديّات، ومعالجة التشابكات، والتوجيهات التي تؤدي إلى مضاعفة الأداء والاستثمار الأمثل للموارد المادية والبشرية، وينعكس حتى على الهيكلية الإدارية والتنظيمية للمؤسسات، بدلاً من أن نكون أسيري وسائل التواصل الاجتماعي التي من حيث يدري أو لا يدري القائمون عليها ـ عبر القص واللصق والنسخ ـ يعملون على توسعة الفجوة بين المواطن ومؤسساته، وتشويه سمعة هذا، وتبييض سمعة ذاك، وافتخار هذا وذاك كلٌ بما يكتب عنه متجاهلاً أنّ الحلول يجب أن تكون بمعالجة لبّ المسألة، وليس الادعاء بأن انتقاده دليل قوّة عمله ونشاطه، أو أنّ مديحه نتيجة عمله وأدائه، إنّما إنجازاته الملموسة على أرض الواقع هي المفترض أن تتكلّم عنه، لأنّ الفجوة بعد أشهرٍ قليلة ستكون أوسع، والكارثة أكبر وانعدام الثقة أقسى وترميم الجرح أصعب.. ونفتح لأعداء الوطن وأدواتهم نوافذ وثغراتٍ يتسلّلوا من خلالها للإساءة للوطن والمواطن، وبدلاً من كسب قلوب أبناء الوطن، واستقطابهم في الوطن والمغترب، ويكونوا صوتاً واحداً للوقوف إلى جانب المؤسسات الحكومية، يكونوا أداةً علنية أو ضمنية تحمل الحقد والكره والانزعاج من كل المؤسسات ليشكّلوا حلقةً يرغبها الأعداء إضافةً لحلقة الإرهاب والحصار والتضليل الإعلامي والتشويه العملي بأياد أبناء الوطن...
فهل المهارة أن ينزل المسؤول إلى الشارع، أو يستقبل المواطنين في مكتبه لحلّ مشاكلهم، متجاهلاً أن المشكلات وإن كانت فردية إن لم تتم معالجتها ضمن إطارٍ جماعي ستبقى تتكرر وتزداد وتتسع ونفتح الباب مجدداً للاستثناءات والانتهازيين ومن يتمكّن من إيصال صوته للمسؤول بطريقةٍ ما... وهل تجاهل المسؤول أن لديه أقارب ومعارف وأصدقاء وعاملون لدى مؤسسته على أرض الواقع المفترض أن يزوّدوه بالحقائق والمعاناة الحقيقية، واقتراحات الحلول، وهل يدرك المسؤول أنّ بين اتصالٍ من مكتبه مع المكان المتّجه لمتابعته أو زيارته تتغيّر الأمور بشكلٍ مختلف، مما يؤكّد أنّ لدينا الإمكانيات والقدرات بشكلٍ سريعٍ وكبير لإنجاز المستحيل عندما تكون هناك إرادة، فالمهارة متوفرة، والخبرة موجودة، والعقول جاهزة، لا تحتاج سوى لإرادة الإدارة الحقيقية في الاستثمار الأمثل لها.
 لا أحد يطالب المؤسسات الحكومية بالمستحيل، وجميع أبناء الوطن مغترب ومقيم يقدّر حجم العوائق والتحديّات التي تتعرّض لها المؤسسات الحكومية، ولكن من بابٍ آخر، يدرك أنّ المؤسسات لديها من العاملين والخبرات والمهارات والأفكار ما يكفيها لاستنهاض جهودها وتوجيه مواردنا الوجهة السليمة واستقطاب الجميع لصالح الوطن وأبنائه دون استثناء، وبالتالي أي تقصيرٍ أو عوائق قد نجد الكثير من أبناء الوطن في المغترب والداخل يقدّمون الحلول الآنية والفورية والسريعة التي تساهم بنهوض الوطن ومؤسساته.
هل يتجاهل القائمون على المؤسسات الوطنية، لا سيما الإعلامية ـ والمتواجدة لدى كافّة المؤسسات دون استثناء ـ أن الإعلام هو رسالة توعوية وصناعة رأي عام، وتسليط الضوء على مكامن الفساد لإيجاد الحلول، ونقاط الضعف لتمتينها والقوة لتطويرها، وتوجيه الأنظار على المنجزات لحجر الفاسدين في الزاوية، واستقطاب الجميع لصالح العمل المؤسساتي الوطني، لا الأخذ بجانبٍ واحدٍ وتجاهل بقية الجوانب في كلّ مسألة.... ولدينا دليل عملٍ واضح، وخطة متكاملة تتمثّل بكلمات وأحاديث وخطب سيد الوطن، وتضحيات وجهود العاملين في الجيش العربي السوري، إضافةً لصمود الشعب في مواجهة كل محاولات جسر الهوة بين المؤسسات والمواطن.