استثمار العقول.. بقلم: سامر يحيى

استثمار العقول.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ٩ سبتمبر ٢٠٢٠

يُحكى أنّ صاحب معمل أوفد عاملاً للبحث في توريد أحذية لمنطقةٍ ما، فعاد إليه قائلاً بأنّ لا فرصة للاستثمار في تلك المنطقة لعدم ارتداء أهلها للأحذية، فأرسل ثانيةً مدير التسويق الذي قابل كبير المنطقة وأقنعه بإمكانية تجربة الأحذية، فعاد مقدّماً تقريراً يذكر فيه أنّه بالإمكان تسويق في العام الأول ما يربو على خمسة آلاف زوج بسعر عشرة دولارات، علماً أنّ تكلفة الزوج مع الشحن والنفقات النثرية يقدّر بستة دولارات، فيكون عائد المصنع فقط من تلك المنطقة عشرون بالمائة، بما يتجاوز مبيعات المصنع السنوية البالغة خمسة عشر بالمائة.
العبرة من ذلك أنّ النجاح الحقيقي هو النظرة الكلية الشمولية، متضمّنة النظرة التفصيلية الدقيقة وسبر أغوار الموضوع وتوقّع نتائجه المستقبلية، وآثاره الفورية، وسبر أغواره لمنع استخدامه من أعداء النجاح، وواضعي العصي بالعجلات، ويقضي على الأرقام الوهمية الخلّبية والنظريات المعسولة التي نتائجها تكون مدمّرة للوطن على المستوى القريب قبل البعيد، وبالتالي من المفترض أنّ أولى من يتصدّى لذلك، ويدرس الموضوع من كافّة جوانبه هو مشروع الإصلاح الإداري، فتطوير البنية التحتية الإدارية، والموارد المادية والبشرية بآنٍ معاً، انطلاقاً من المعطيات والحاجات البشرية الفعلية، في إطار الموارد المتاحة واستغلالها بالشكل الأمثل والبحث عن أفضل الطرق للنجاح مع قطع الطريق على ضعاف النفوس والانتهازيين واختصار الوقت والجهد ولمس النتائج بشكلٍ مباشر على أرض الواقع.
 إن الدراسة الحقيقية للبنية التحتية والانطلاق من خلالها هو الأساس في بناء الوطن والنهوض به، فتوفير موارد الطاقة ـ رغم الحصار والضغوط المفروضة على سوريتنا ـ مهما كانت الطريقة والثمن، تبقى تكلفتها أقلّ بكثيرٍ من فقدانها أو إدارة النقص منها، لأنّها الأساس ليس فقط في استقطاب الاستثمارات الخارجية والمغتربين، إنّما أيضاً في تشجيع القطّاعات الإنتاجية والخدمية إلى ما هنالك، سواءً كانت مشروعاتٍ متناهية الصغر، أو مشروعاتٍ استثمارية وانتاجية كبيرة، وتلبية كل احتياجات المواطن دون استثناء، فالاستثمار في الطاقة البديلة من قبل المؤسسات الوطنية، أو تجمّع كبير للمتخصصين بذلك العمل أقل تكلفة من شراء الخلايا الجافة ـ البطاريات ـ وما يتعلّق بها، عدا عن أضرارها المستقبلية وحجم المخلّفات التي ستخلفّها، والنقد الأجنبي الذي يصرف على تأمينها بشكلٍ رسمي أو غير رسمي، إلى ما هنالك... فإنّ المؤسسات المتخصصة بإدارة موارد الطاقة عديدة، وليست واحدةً، وبالتالي يجب أن تتحلّى بالمسؤولية الوطنية بعيداً عن التنظير الورقي، ومضاعفة أدائها بعيداً عن الحجج الروتينية، والاستفادة من الرؤى والأفكار والخبرات بما يساهم بمضاعفة عجلة الإنتاج وزيادتها بكافّة المجالات، وخطوةٌ أساس في عملية إعادة الإعمار، فتوفير موارد الطاقة هي الجاذب الأكثر للاستثمارات بكلّ أنواعها.           
 الموضوع الأساس أيضاً هو هجرة الكثير من الشباب السوريين، فالدراسة الحقيقية لهذه الهجرة، وانتشارهم وتوسّعهم، والبحث في إمكانية الاستفادة من جهودهم في بلدان الاغتراب، واستقطابهم لصالح وطنهم الأم، ليكونوا صورةً إيجابية عنه وعوناً له ولأبنائه، ودراسة أوضاع أبناء الوطن لاستثمار جهودهم واستنهاض أدائهم، لتفعيل عملية الإنتاج وزج الجميع في عملية إعادة الإعمار، كل ضمن تخصصه ودوره والمهام المنوطة به وضمن محيطه، لا سيّما العاملين في المؤسسات الحكومية من كونهم أداة فاعلة والمفترض من السهل توجيههم والاستفادة من جهودهم في حال توفّر الإرادة السلمية والإدارة الحكيمة، لأن إصدار القرارات بشكلٍ اعتباطي أو مدروسٌ بشكلٍ جزئي، أو نظرةٍ أحادية، يؤدي إلى انعكاسٍ سلبي على الوطن والمواطن بآنٍ معاً، فكم من القرارات التي صدرت، لو تمت دراستها بشكلٍ إيجابي ومتكامل، لكان عائدها أضعافاً مضاعفةً، عدا أنّها لن تعطي فرصةً لأعداء الوطن لزج اسفينٍ بين الوطن ومواطنيه، فتشجيع المواطن العربي السوري داخل سوريته، أو في المغتربات، لتطبيق المرسوم التشريعي الخاص بالتعامل بغير الليرة السورية، سيؤدي تلقائياً لرفع قيمة الليرة السورية والتزام الجميع بالتصريف عبر المنافذ الرسمية حصراً، ولرأينا الدعم لليرة السورية من المغتربين أضعاف قرارٍ استغلّه ضعاف النفوس في التشويه لسمعة الوطن، وتحويله من مجرّد خدمةٍ للمواطن إلى اعتباره ضريبة على السوري للدخول لوطنه، كما أنّ السوري تلقائياً سيصرف أمواله في السوق السورية، فإذا كان المواطن السوري، والمغترب يعرف منافذ السوق السوداء، فهل هذا صعباً ومعقّداً على السلطات المتخصصة، وإذا كان المؤسسات الوطنية تعتبر السوق السوداء وهمية وإساءة لقيمة الليرة السورية، لم ترفع أسعار موادّها انطلاقاً من السوق السوداء، فهل عجزت العقول الاقتصادية السورية عن إيجاد الحل الأشمل والأمثل، بما يؤدي لتوفير متطلّبات البنية التحتية بكل الوسائل المتاحة، لا سيّما الطاقة ومواد الأعلاف، وبدلاً من افتتاح شركات طائراتٍ خاصةٍ، ومجمّعات أسواقٍ وأموالٍ واستثمارٍ في الخدمات، بتوجيه المستثمرين وحتى المغتربين، بتقديم موارد الإنتاج الأساسية، ودعم العملية الإنتاجية الزراعية والعلفية والطاقوية، والاكتفاء بالشركات الخدمية القائمة ودعمها لمضاعفة أدائها، وتحويل جزءٍ من أرباحها إلى الإنتاجية، عدا عن فرض الضرائب الحقيقية انطلاقاً من أجهزة الفوترة والمبيع الحقيقي وضبط الأسواق بسهولة، فالبطاقة الذكية وتحويل المؤسسات للتعامل بالتكنولوجيا يجب أن يكون الدور الأساس لها الإحصاء لمعرفة الاحتياجات الحقيقية لأبناء الوطن، للبحث عن الوسائل الأفضل لتأمينها، وتكون أداة ووسيلة لضغط النفقات وتوفير الهدر وتأمين المتطلّبات والاحتياجات، وتسريع عملية تقديم الخدمات، والأهم من كل ذلك القضاء على التهريب وتسهيل عملية استرداد الضرائب استناداً للإنتاج الحقيقي لمنشأةٍ صغيرةٍ أو كبيرة إلى ما هنالك...
 إن سوريتنا بعد عشر سنواتٍ من حربٍ إرهابية شنّت عليها، وحصارٍ متفاوت القسوة والشدّة منذ عقود من الزمن، قادرةٌ على تجاوز كلّ ذلك، إن استثمرت بحكمة وحنكة عقول أبنائها في الداخل والخارج، والموارد والإمكانيات المتاحة، والوسائل التي تساهم بتوفير النقص وما تحتاجه مقوّمات النجاح، وجهود العاملين في القطّاع الحكومي والخاص والتعليم بكلّ تخصّصاته، بعيداً عن الأكاديمية الصمّاء، إلى الأبحاث والأفكار والرؤى القابلة للتطبيق على أرض الواقع.