فرنسا وتركيا والصراع على لبنان.. بقلم: محمد نور الدين

فرنسا وتركيا والصراع على لبنان.. بقلم: محمد نور الدين

تحليل وآراء

السبت، ٥ سبتمبر ٢٠٢٠

بعد الانفجار الضخم في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس الماضي هرعت كل القوى الإقليمية والدولية إلى لبنان من أجل إبداء الدعم والتعاطف مع الشعب اللبناني الذي ينتقل من مصيبة إلى أخرى منذ حوالي السنة.
وتحوّل مرفأ بيروت إلى عنوان للمنافسة والصراع بين العديد من القوى بل أكثر من ذلك شاركت فرق استخباراتية وجنائية مباشرة في التحقيقات الميدانية في المرفأ لبحث أسباب الانفجار، ومنها فرق أمريكية وفرنسية وتركية وروسية.
أما على الصعيد الإنساني فقد أرسلت معظم الدول الأجنبية والعربية مستشفيات ميدانية ومساعدات غذائية وطبية. مع الإشارة إلى أن معظم هذه المساعدات لم يمر عبر الدولة اللبنانية وذهبت إلى ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني التي لا تخضع لمراقبة ولا محاسبة.
فجأة انفتح لبنان وانكشف أمام القوى الخارجية، وبات قطعة أساسية من لعبة الشطرنج. وبعد سنوات وأشهر وأسابيع من تصدّر الولايات المتحدة المشهد اللبناني تهديداً ووعيداً، تقدّم الدور الفرنسي بقوة من خلال زيارتين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأولى بعد انفجار بيروت والثانية مطلع الأسبوع الحالي بمناسبة الذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير، بحدوده الحالية، من جانب المندوب السامي الفرنسي الجنرال هنري جورو في الأول من سبتمبر 1920.
وفي المناسبتين كانت فرنسا تعود إلى لبنان بقوة لافتة،وتصرف الرئيس ماكرون كما لو أنه جورو الجديد ناصحاً المسؤولين اللبنانيين ومحذراً إياهم من أنه إذا لم يتم الاصلاح الاقتصادي والسياسي فإن عقوبات فرنسية تنتظر لبنان معطياً مهلة ثلاثة أشهر لتنفيذ الإصلاحات.
لكن خارج الشأن المحلي اللبناني، فإن فرنسا معنية بمصير لبنان. فهو البلد العربي المشرقي الوحيد الذي لا يزال ينتمي إلى الثقافة الفرنكوفونية. وفرنسا معنية بالحفاظ على آخر«محمية» ثقافية لها في المشرق العربي في ظل تراجع الفرنكوفونية وتقدم الثقافة الأنجلوسكسونية في العالم. وفرنسا كُلفت من قبل لبنان بالتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في بعض البلوكات البحرية كون المنطقة المحيطة بلبنان قد عثر فيها على موارد طاقة فيفترض أن يعثر لبنان على مثلها في مناطقه البحرية وبالتالي تستفيد فرنسا من ذلك. ولبنان جزء من صراعات شرق المتوسط المعنية بها فرنسا.
ولا شك أن الفوضى المتمادية في لبنان من جراء الانهيار المالي والاقتصادي والانقسامات السياسية الداخلية تفتح شهية القوى الخارجية على التغلغل واستغلال الوضع من أجل نفوذ مؤمل في لبنان.
ويبرز في هذا السياق التنافس الفرنسي- التركي في لبنان، والذي فُسرت زيارتا ماكرون على أنها في سياق الصراع مع تركيا في شرق المتوسط. وقد كان لافتاً إشارة ماكرون مرتين إلى خطورة التدخل التركي في لبنان ولا سيما في شماله. وفي مقابل زيارات ماكرون كانت زيارات لوفود تركية وعلى مستوى عال. كذلك كان التساؤل لماذا يكون هناك فريق تحقيق تركي على الأرض في مرفأ بيروت ومن الذي سمح له ولماذا؟.
في هذا السياق، فإن لبنان قد تُرك لمصيره منذ الأزمة المالية منذ حوالي عام. والدول العربية كانت مقصّرة جداً في احتضان لبنان والانفتاح على قواه السياسية وإيجاد حلول لأزماته في ظل الحاضنة العربية، فإذا دعم البعض بمساعدات مادية فإن الدعم السياسي كان غائباً، علماً أن نهاية الحرب الأهلية عام 1989 كانت برعاية عربية. لذلك عندما يكون هناك فراغ لا بد أن يملؤه أحد آخر، وكانت فرنسا السباقة وربما بتفويض دولي معين. لكن تركيا كانت أيضاً حاضرة على أكثر من صعيد على الرغم من أن ركائز نفوذها في لبنان محدودة جداً ومبالغ فيها. وإذا لم يكن الدور التركي في لبنان قادراً على منافسة الدور الفرنسي لكنه قادر على منافسة ومقارعة الأدوار العربية الغائبة سياسياً.
لم يعد ممكناً النظر إلى لبنان على أنه حالة مستقلة متروكة لمصيرها. فهو جزء من الهوية العربية وجزء من صراعات الشرق والغرب وصراعات شرق المتوسط. وفي لعبة الأمم لا يمكن تغييب أو تهميش أي قطعة مهما صغر حجمها فلكل أهميتها ودورها.