أمريكا والصين.. ماذا بعد؟.. بقلم: عاطف الغمري

أمريكا والصين.. ماذا بعد؟.. بقلم: عاطف الغمري

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٩ أغسطس ٢٠٢٠

في أجواء «الصدام اللفظي» بين أمريكا والصين، تظل كل منهما تحقق لنفسها مكاسب من العلاقة التي تربطهما، لكن حرب التصريحات والاتهامات لا تتوقف، خاصة مع تصعيدها من الرئيس الأمريكي ترامب، واتهامه للصين بأنها هي التي أنتجت فيروس كورونا، لكن هل يمكن أن تتحمل الدولتان تكلفة هذا الصراع وما ينتج عنه من خسائر تصيبهما معاً؟.
ترامب من ناحيته، فرض عقوبات على الصين، ودفع الشركات الأمريكية إلى السعي لتحويل منتجات سلاسلها من السلع والخدمات إلى دول آسيوية أخرى. وقدم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري، مشروع قانون يسمح لترامب بمعاقبة الصين، بحجة عدم تعاونها في إجراء تحقيق حول أصل نشأة الفيروس.
ويتحكم في هذا التوجه، المبدأ الأساسي في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة باعتبار التنافس قضية رئيسية لأمريكا تجاه العلاقة مع الصين، وأن التنافس يُلقي بظلاله على مكاسب التعاون الثنائي بينهما. وتظل كلفة التباعد بينهما باهظة، في وقت يعاني فيه العالم، والدولتان في الوقت ذاته، كساداً اقتصادياً خطراً.
إن كلتيهما تعتمد على الأخرى. وعلى سبيل المثال، فإن الصين تُنتج 97% من أدوية المضادات الحيوية التي تستوردها الولايات المتحدة، وشركة «أبل» الأمريكية لمنتجات الكمبيوتر، لا تزال تنتج أغلب القطع المكملة لمنتجاتها في الصين. ومازالت الصين تحقق نجاحاً في إنتاج مكونات أنظمة الاتصال عبر الفيديو كونفرنس التي تطورت في وادي السيليكون في أمريكا، على أيدي مخترع ولد في إقليم شاندونج في الصين.
وفي أجواء هذه المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، تحاول إدارة ترامب أن تستمر في العقوبات التي تفرضها على الصين، وتضييق فرصها التصديرية، لمنتجاتها الكثيرة إلى الولايات المتحدة، تعزيزاً لاستراتيجية مواجهة ما اعتبرته «العدو المنافس»، وهو من وجهة نظرها، منافس للصعود في القدرات الاقتصادية، وفي النفوذ السياسي، معاً، على مستوى العالم.
لكن هناك قاعدة في العلاقات الدولية مضمونها، أن أي إجراء عدائي لابد أن يتبعه إجراء مضاد، ما دامت الاستراتيجيات تُبنى على قواعد من العلم. فالصين كانت قد مهدت مسبقاً لما أسمته «حلم الصين»، بأن تتصدر التأثير في الشؤون العالمية، عن طريق تحقيق خطة الصين 2025 المعتمدة على الارتقاء بالصناعات التكنولوجية، وأن تصل في عام 2035 إلى مرتبة تجعلها مسيطرة على أحدث تطويرات تكنولوجيا المستقبل.
ويربط المحللون المتابعون لهذه التنافسية الأمريكية الصينية، بين أزمة فيروس كورونا، وبين سعي الصين إلى تحفيز حركة هذه الخطط المستقبلية، بحيث تحاول أن تنجز في عامين، ما كانت قد خططت لتنفيذه في فترة عشرة أعوام، وهو ما عبر عنه مسؤولون في الصين بقولهم، إن الحاجة قوية للانطلاق للأمام في مجالات الاستثمار في منتجات الإنترنت، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من الصناعات المتجددة التي تلاحق احتياجات العصر.
واتفاقاً مع نفس الاتجاه، عملت الصين على خفض وارداتها من الخارج بنسبة 14%، وزيادة صادراتها بنسبة 3.5%. هذا لا يمنع توقع الأضرار الاقتصادية على الصين، الناجمة عن كورونا، ومحاولة تخفيف آثارها، والحد بقدر الإمكان من تبعاتها الاقتصادية، مع إدراكها أن الحالة الاقتصادية لن تكون مثلما كانت من قبل.
وتقول مؤسسات صناعة القرار السياسي الأمريكية، إن الصين تحاول تعويض خسائرها الاقتصادية، بتوسيع نطاق استثماراتها في الخارج، في دول مثل أستراليا، وسريلانكا، وغيرهما، والتي قد تتضاءل قيمتها السوقية، نتيجة الكساد الإنتاجي الذي يسود العالم الآن.
أما بالنسبة للوضع الراهن المتأزم بين الولايات المتحدة والصين، فإن الاستهلاك الداخلي للأمريكيين، يصعب عليه أن يعوض المنتجات الصينية معتدلة الأسعار وقيمتها 2.5 تريليون دولار، تم بيعها خارج الصين في العام الماضي.
عدد من الاقتصاديين الأمريكيين، سبق أن وصفوا العلاقات التجارية، وخاصة المالية بين الولايات المتحدة والصين، بأنها «عملة واحدة ذات وجهين»، بمعنى أن كلتيهما تجني مكاسب هائلة من هذا التعامل بينهما. ولأن أمريكا هي التي بادرت بإجراءات من نوع الحرب التجارية مع الصين، وهو ما تعمل الصين من جانبها على احتواء نتائجه، فإن السؤال الراهن هو: إلى متى يمكن لأمريكا أن تتحمل ما ستخسره من هذه الحرب؟.