لو نطق أحدهم بالحقيقة أعطه حصاناً سيحتاجه للهرب؟.. بقلم: فيوليت داغر

لو نطق أحدهم بالحقيقة أعطه حصاناً سيحتاجه للهرب؟.. بقلم: فيوليت داغر

تحليل وآراء

الخميس، ٢٣ يوليو ٢٠٢٠

نعيش مرحلة تشهد سيلاً جارفاً من الأنباء المقلقة والمتضاربة عن كوفيد 19، وتسليط الضوء على إصابات جديدة حيناً وتضخيم أنباء أكثر مما تستحق أحياناً، وذلك في وقت ما زال العالم يجهل الكثير عنه، ولم يتعرّف بعد حتى على المصاب رقم صفر، أو يعرف منشأ الفيروس الذي روّج سابقاً أنه انطلق من مدينة يوهان الصينية دون أن تكون تلك الحقيقة. كذلك، ما زال المختصون والباحثون في الموضوع لا يعرفون إنْ كان سيختفي تدريجياً أم سيتطوّر محدثاً موجة ثانية في الخريف المقبل ومعيداً الناس إلى الحجر المنزلي، لا سيما أنه خلال الأشهر الستة الماضية ظهرت للفيروس التاجي المستحدث حوالي 3246 سلالة، وتبدّى بأعراض مختلفة لم تكن كلها شائعة في بداية الموجة.
تضاعف أيضاً منسوب الأصوات المشككة بوجوده أصلاً، والتي عزت الإصابات لأمراض أخرى ولنقص مناعة ولظروف صحية غير مؤاتية عند كبار سن في الغالب الأعظم، في وقت جهدت خلاله منظمة الصحة العالمية في منع تشريح الجثث. علاوة على أنّ الشك حول حالات مرضية كان يقود لحسبان الوفيات في خانة كوفيد 19. بينما يمكن للفيروس أن يكون موجوداً في أجساد البشر منذ سارس 2003 إن لم يكن من قبل دون ظهور تأثيرات.
من هؤلاء الباحثين الطبيب الكندي جان جاك كريفكور الذي ذكّر بمرضى السيدا قبل زمن والأخبار التي راجت حولهم ووفاة أعداد من البشر لم تكن بفعل الأسباب التعليلية التي قُدّمت حينها، بل لضعف المناعة في أجسادهم والتعامل معهم كفئران تجارب للوبيات الأدوية.
واليوم المشهدية هذه تتكرّر على نطاق أوسع، فيتحدثون عن علاجات دوائية ولقاحات ضرورية، لكن لن تفعل سوى كنز الأموال لأصحاب المختبرات على حساب حياة البشر والمجتمعات. مختبرات تتسابق على الدور وتضاعف من سرعتها كي لا تفوّت فرصتها الذهبية، بحيث بات يوجد حالياً ما لا يقلّ عن 120 نوع من اللقاحات يجري إنتاجها ضدّ الفيروس. ورغم تداول العرائض في فرنسا وبلجيكا وكندا وغيرها لجمع ما يمكن من تواقيع رداً على ظواهر مريبة خلفتها «الجائحة» (لا يقبل بعض المختصين حتى منحها هذا التعريف باعتبار أنها ليست ولم تكن كذلك)، فقد ابتاعت وزارة الصحة الفرنسية وثلاث دول أخرى من مختبر استرازينيكا، بحوالي مليار أورو لقاحاً ضدّ الفيروس التاجي. وصاحب المختبر مصمّم على تسليم بضاعته في شهر اكتوبر/ تشرين الأول القادم حيث النية كما بات واضحاً إجبار البشر على الخضوع لحملة تلقيح كبرى.
يحصل ذلك رغم أنه بات معروفاً لكلّ مختصّ بالشأن أو حتى متابع أن اللقاح لأيّ فيروس لا يمكن إنتاجه خلال أشهر، وأنّ هذا اللقاح الذي نتكلم عنه بالتحديد لم يجرّب حتى الساعة على الإنسان بل على القردة فقط ودون نتيجة حاسمة، بما يعني أنّ من سيتلقوه سيكونون حيوانات تجارب ليس إلا. صحيح أنّ القرود التي لقحت به كانت الالتهابات الرئوية لديها أقلّ حدة، لكنها لم تكن محمية من العدوى وبقيت معدية لسواها. كذلك ظهر أنّ اللقاح يحتوي على خلايا معدلة جينياً، كما أعلنت ذلك وكالة «رويترز».
لكن المفوضية الأوروبية تستعدّ لتعديل قوانينها لتصبح إجراءات التأكد من صحة اللقاح أسرع. طبعاً هذا الغليان في المجتمعات ما كان ليحصل لو كان هناك تأكيد بأنّ اللقاح غير ضار البتة وأنه سينقذ ملايين الأرواح كما يشيع مروجوه. أضف لذلك التخوفات من النتائج على الصعيد القضائي بحال كان الفيروس معطوباً وله مضاعفات جانبية.
يؤكد باحث من جامعة جون هوبكنز، دكتور أميش أدالجا، أنّ مرحلة تطوير لقاح تقاس عادة بالسنوات وليس بالأشهر. كما يصرح البرفسور الفرنسي ذائع الصيت ديديه راوول أنه منذ عشرين او ثلاثين سنة لا يوجد لقاح لأيّ من الأمراض المستجدة، وأنّ مليارات الأموال دُفعت دون طائل. حتى أنّ كبير المختصين الدوليين في صناعة الدواء، باتريك بيشلر، اعتبر أنّ إيجاد لقاح للفيروس ضرب من الخيال. وأضاف المدير التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور مايك رايان: «لقد تعلمنا أنه إن كان من شيء أكثر خطورة من الفيروس السيّئ فهو اللقاح السيّئ، وعلينا الحذر من تطوير منتج من المفترض أنه معدّ لحقن غالبية سكان العالم». أما عالم المناعة الأميركي الشهير الدكتور انطوني فوتشي، فقال ما مفاده إنّ أسوأ شيء يمكن القيام به هو تلقيح شخص لحمايته من الفيروس وجعل حالته أسوأ في نهاية المطاف.
ما يؤكد هذه المخاوف هو أنّ أكبر الخبراء وعلماء الأمراض والفيروسات الذين ينكبّون على دراسة هذا الفيروس لم يتفقوا بعد على استنتاجات بخصوص كيفية التعامل معه أو التنبّؤ بمساره، والأعظم من ذلك هو أنّ الناس لن يكون لديها مجال للرفض والاعتراض كون السلطات الصحية ستجعل اللقاح إلزامياً. فمن نافل القول أنه بعد الأزمة التي عشناها مع هذا الفيروس، باتت السلطات الصحية والسياسية في معظم البلدان إنْ لم يكن جميعها، أكثر قدرة على فرض إجراءات بالقوة بدعوى «حالة طوارئ صحية». وبحجة كوفيد 19 وحمايتنا منه ومن الموت، أصبح لديها مطلق الصلاحيات للتحكم بصحتنا.
من كان يتصوّر قبل زمن كوفيد 19 أنّ المتحكّمين بالقرارات كان باستطاعتهم أن يفعلوا ما فعلوه من إغلاق كلّ شيء وحبس الناس في منازلها ومنعها حتى من التنفس ومزاولة الحياة الاجتماعية والمهنية كما يفترض؟ يبدو أنّ هذا الوضع كان تمريناً مقارنة بما يُتوقع أن يحصل في قادم الأشهر، مع ابتزاز العالم بالفيروس لفرض اللقاح وعبر الطابع الإداري والمبرمج للفيروس واللقاح. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من الذي أعطى الحق لكائن من كان أن يتصرف بحياة البشر على هواه ووفق أجنداته؟ وهل سيبقى العالم مكتوف الأيدي دون ردود أفعال بحجم الأفعال لو حقاً جرى فرض الإغلاق مجدداً واللقاح بالقوة؟
عن أية حماية يتكلمون عندما نعلم أنه في فرنسا وحدها يموت سنوياً بفعل تجرع أدوية 13000 شخص – وهناك من يذهب إلى أنّ الرقم أكبر من ذلك بكثير ويصل إلى 34 ألف حالة وفاة؟ هذا عدا عن التشوّهات والعاهات التي تنتج عن العقاقير، كما هو الحال على سبيل المثال مع دواء ديباكين المضاد للصرع والذي، بداية الشهر الحالي وبعد سنوات من النزاع، حكمت المحكمة بشأنه ضدّ الدولة الفرنسية بالعطل والضرر لضحاياه الذين يتراوح عددهم بين 15 و30 ألف شخص أصيبوا بالتوحد وتشوّهات خلقية أو عقلية بعدما أخذت أمهاتهم هذا الدواء خلال الحمل بهم. والأمثلة كثيرة جداً في فرنسا وغيرها عن لقاحات وأدوية تسبّبت بوفيات أو تشوهات أطفال كما بالغين، البعض منها حكمت فيها المحاكم بعد سنوات طويلة من النزاعات بالتعويض للضحايا بينما الجزء الأكبر لم ينل الحظ بالتعريف حتى بمصابه.
أليس من الأجدى على ضوء ما سبق أن يعمل وزراء الصحة والمسؤولون المعنيون، بمعية مستشارين وخبراء لا تربطهم علاقات مصالح مع لوبيات المال والأعمال، للتمحيص في الدراسات التي خرجت في أنحاء العالم حول موضوعة الفيروس والاستفادة من تجارب البدان المختلفة في مكافحته؟ هل كثير المطالبة بإعادة النظر بالتعليمات والتشديدات على الاختلاط والتجمع واتباع سياسات أكثر حكمة وموضوعية وشفافية تعنى فعلاً بالإنسان وصحته وسلامته، بدلاً من أن يرغم العالم على خوض تجربة قسرية ومرّة كالتي مرّ بها ودون التضحية بالجانب المادي والاقتصادي؟
يقول مثل أفغاني: «لو نطق أحدهم بالحقيقة أعطه حصاناً، لأنه سيحتاج له للهرب». ففي ظلّ إرهاب فكري في عالم تسيطر عليه عقلية الربح والتفوّق والاستغلال وتقديس موازين القوة بكلّ أنواعها، الكثير من المختصين أو المتابعين لا يجرؤون على السير عكس التيار دون الخشية على مصالحهم أو سمعتهم. في المقابل، بات شائعاً أن يعيش الكثير من البشر على المهدّئات بعدما فقدوا الشعور بالأمان والأمل، حيث عاناتهم تضاعفت وإدمانهم على ما يخفف من قلقهم بات باتولوجياً ومسبّباً لمزيد من الأمراض.
أوَليس من الأجدى والحال كذلك العمل على ذواتنا لمنح معنى لوجودنا كبشر وتحقيق أنفسنا من خلال خدمة مجتمعاتنا ومحيطنا وترشيد مسؤولينا؟ يقول بوذا، آلاف الشمعات تشعلها شمعة واحدة دون أن ينقص منها شيء. أما دوستويوفسكي، فيرى أنه علينا ألا ننسى أننا نقطة في محيط وكلّ نقطة ماء متصلة بما عداها. بالتالي كلّ منا مسؤول، ليس فحسب عن أفعاله تجاه غيره، بل حتى عما يقترفه سواه من آثام بحق الجميع وإنْ كان هو ضحيتها. هذه الرؤية هي التي جعلته يتنبّأ قبل ستين سنة بالإبادات الجماعية التي تسارعت لاحقاً كنتيجة منطقية للإيديولوجيات المادية وللأفكار الشريرة التي تقود لأفعال إجرامية.
أنهي برواية حكيم يقول لحفيده: «داخل كلّ فرد منا يوجد نوعان من الذئاب يتصارعان: الأول يمثل الصفاء والحب والعطف، والثاني الخوف والجشع والكراهية»… «أيّ منهما يفوز»؟ يسأله الطفل. يجيب الجدّ: «ذلك الذي نطعمه».