العاهة الفكرية.. بقلم: موزة جمعة عبيد الزيودي

العاهة الفكرية.. بقلم: موزة جمعة عبيد الزيودي

تحليل وآراء

الأحد، ١٩ يوليو ٢٠٢٠

لقد منحنا الله العقل بالمجان، دون ضرائب، ولا بقسط شهري يخصم منك لتستخدمه، لذا من حق هذا العقل أن تُنوره بالفكر السليم والصالح، تزوده بالعلم والمعرفة اللازمة، تشبعه تغذيةً فكرية لا تشوبها علل سقيمة تميت الروح، وتستنزف طاقات من الفكر المجتمعي القويم.
ثمة بشر بيننا يستحوذون أفكاراً بُنيت على النقص في الذات أو لعوامل وتجارب قد عاشها الأشخاص، لتجعلهم من الذين يمتلكون "عاهة فكرية"، تختلف نظرتهم للأمور، فالبسيطة منها معقدة، والواضحة مبهمة، وحق الاختيار عندهم مرفوض، وكلمتهم يجب أن تكون دائماً المسموعة، فالكلمة الأولى والأخيرة لهم!
هناك خطوط واضحة بين الحلال والحرام، وبين الصح والخطأ.. ذوو الفكر السليم يعرفون ذلك جيداً، فتراهم لا يخلطون الحابل بالنابل، ولا يسارعون في إصدار الأحكام قبل دراسة موزونة وتحليل للمعطيات، يؤمنون بالنقاش والأخذ والعطاء، متسلحين دائماً بقوله عز وجل في سورة الحجرات آية رقم (١٢)، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنو اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم".
أما ذوو العاهة الفكرية فيعيشون بكل ثقة على ظن واحد، ألا وهو أنهم محقون في كل شيء، يراقبون تصرفات الغير كما لو أن أحدهم وضعهم موضع الحسيب والرقيب على الغير، يرتكبون حماقاتٍ كثيرة، ولكن إن ارتكبها غيرهم رفعوا أصابع الاتهام بوجوههم، واتهموهم بأنهم "لا يخافون الله"، هم هكذا متناقضون مع أنفسهم، ولا يجيدون النظر بإيجابية وتفاؤل، يعتقدون أن لهم الحق في التدخل بشؤون الغير، كما ذكرت، هم عاهة فكرية مؤذية، وخطر على أنفسهم قبل الجميع.
جمّلنا الله، عز وجل، وميزنا بهذا العقل المفكر، لنتفكر ونتدبر الدنيا بعين ثاقبة توازن بين الأمور، وكي لا تختلط العواطف بالعقلانية، كما قلت مسبقاً في سياق من السخرية: "أعطاك الله إياه بالمجان"، حافظ على سلامة فكرك، وكن منفتحاً لتقبل الآراء والأفكار الجديدة عليك، التي لم يسبق لك معرفتها، تقبل فكرة أن النقاش والحوار وحتى الجدليات في بعض الأمور ما هي إلا مفاتيح لفهم الغير، وفرص لإيجاد الحلول، وأن نسمع دائماً للجانب الآخر من كل أمر أو نزاع.
يقول أفلاطون: "نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر".
العقل نعمة موجودة لدى كل البشر، أما الفكر السوي والصالح فهو مكتسب، تكتسبه وتبنيه وتزرعه وتحصده بنفسك، فاصنع لنفسك فكراً سليماً يبني بيوتاً ومجتمعاً عكس هدمها.