وفق ما تقتضي المصلحة الوطنية.. بقلم: سامر يحيى

وفق ما تقتضي المصلحة الوطنية.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٣ يوليو ٢٠٢٠

يُنقل العامل لمكانٍ آخر دون علمٍ أو رغبةٍ منه، يقدّم طلباً للنقل يُقبل دون أن يُسأل عن السبب، تشكو المؤسسة فائض بالكادر، وبنفس الوقت تشكو قلّتها، لا سيّما المدرّبة، وتتجاهل أنّ مهمتها تأهيلها لاستثمارها بالشكل الأمثل، الموظّف يبقى متوتّراً خائفاً هدفه إرضاء مديره وكسب ودّه على حساب العمل وإتقانه وجودته، تصدر التوجيهات والأوامر ضمن تخصّص العامل دون علمٍ منه، أو رأي له، باعتباره ممارساً لعمله على أرض الواقع ... كلّه تحت شعار "المصلحة الوطنية".
المصلحة الوطنية لا تقتضي إهمال الآخر، ولا هي سلاحٌ بيد المسؤول، أو شعارٌ فضفاض، إنّما هي خدمة الوطن واستثمار موارده وإمكانياته، لمضاعفة عملية الإنتاج وإتقانها، خدمياً وإنتاجياً، انطلاقاً من دور كل منا ومسؤوليته، أياً كانت مرتبته، فالمدير العام لديه البيانات والمعطيات والمهام الموكلة للمؤسسة، والسلطة التي تمكّنه من الإشراف وإدارة المهام والمتابعة، والموظّف لديه الممارسة العملية في المهام الموكلة إليه، وبالتالي هما كلٌ متكاملٌ لإنجاح المؤسسة، ودمج العلمي بالعملي، والنظري بالواقعي، وتحقيق التشاركية كلٌ ضمن دوره والمهام المنوطة به، واستنهاض قواهم وقدراتهم، وعصف أفكارهم، وتشكيل فريق عملٍ جديٍ حقيقي.
مثلاً، الرواتب التي يشكو منها الجميع، ليست مسؤولية مؤسسة بذاتها، فباعتبارها ثابتة، ومتمّماتها معروفة، دور المؤسسات البحث في زيادة إنتاجية المؤسسة ومضاعفة أدائها، بما يؤدي لتنفيذ المهام الموكلة إليها، بما يؤدي لزيادة العائد، وبالتالي زيادة الرواتب، أما الإهمال والعمل على قدر الراتب وغيرها من الحجج ما هي إلا أهم أسباب تعطيل وتأخير قيام المؤسسة بأدائها على أكمل وجه، فهل علّمنا في مدارسنا أن دور الطالب هو ابتكار فرصة عملٍ لا البحث عنها، وعلى العامل أن يبتكر أساليباً لزيادة إنتاج مؤسسته، فالمؤسسة الحكومية ليست خيرية، إنّما مؤسسة وطنية إنتاجية لأبناء الوطن كافّة، سواءً كانت في القطاع الصحي أو الصناعي أو الخدمي، أو التجاري ... إلخ...
نشكو عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، يا ترى هل تجاهلنا أن الإنسان يملك فكرٌ وعقل، وأنّى كانت شهادته العلمية، طالما عمل في مجالٍ معيّن لمدّة تزيد عن الثلاثة أشهر المفترض اكتسب خبرة كبيرة جداً، لأنّه المفترض اطلع على البيانات والمعلومات والمعطيات والنظام الداخلي والهيكل التنظيمي للمؤسسة ودور كلّ فردٍ فيها، فملك خبرةً مبدئيةً تحتاج للصقل والاعتناء بها وربط الواقع بالنظري، عدا عن جولاته الاستكشافية والدراسات والتقارير والأفكار التي يقدّمها العاملون لديه، فمن يفشل ليس عدم وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب، إنّما شخصٌ رفض أن يتعلّم وبالتالي لا يستحق أن يكون في غير هذا المكان، فمن فشل في مكانٍ ما، بكلّ تأكيد مصيره الفشل بكلّ المجالات، وشتّان بين الفشل الأكاديمي خلال لحظة امتحانٍ لساعةٍ زمنية، وبين فشلٍ عملي، كان لدى المدير أو المسؤول وحتى العامل الوقت الكافي لتطوير أدائه ومضاعفة خبراته، ومعالجة المشكلات وتحدّي المعوّقات واستثمار الموارد والإمكانيات.
الرقابة والمتابعة وإلقاء المحاضرات ليست أمراً روتينياً، بل عملاً وطنياً بامتياز، يحتاج ممارسة آنية وفورية دون تأجيلٍ أو تأخير، سواءً بالرقابة قبيل بدء العمل، وأثنائه وبنهايته، وإلقاء المحاضرات يجب أن يشمل الجانب العلمي والعملي وليس الأكاديمي المفترض أنّ كل عاملٍ قد تلقاه على مقاعد الدراسة وقبيل انتمائه لهذه المؤسسة، فإهمال الرقابة، والمحاضرات التنظيرية، وعبارات أكّد وشدّد ونوّه وأصدر، كلّها إن لم تتابع على أرض الواقع، وتدرس من جذورها للبحث في إمكانية علاجها وتوقّع نتائجها، والبحث في اختيار الحلول الأنسب القابلة للتطبيق على أرض الواقع، ليست سوى زيادةً في الهوةّ وانعدام الثقة بين المؤسسات والمواطن، وحتى المؤسسة والعاملين فيها، على سبيل المثال، ضغط النفقات في القرطاسية، يا ترى هل كلّ المؤسسات تستطيع ضغط النفقات في هذا المجال، ألا توجد مؤسسات اعتمادها الكليّ على الورق، وهناك الكثير من الوثائق والمعاملات يمكن تبادلها الكترونياً، فمثلاً فاتورة الكهرباء يمكن أن تقسم إلى ثلاثة أقسامٍ بدلاً من الحجم الحالي، وفاتورة الهاتف الثابت يمكن أن ترسل عبر رسالةٍ نصية لهاتف جوّال صاحب العلاقة، وتخفيض عدد الورقيات مقابل زيادة النسخ الاحتياطية الالكترونية.
 وهذا ليس ببعيدٍ عن ضغط نفقات إصلاح السيارات، ويكفي مثالاً أنّ شخصٌ لديه سيّارة خاصة قد تجاوز عمرها عشر سنوات وأكثر، لا ينفق عليها إصلاح وصيانة، جزءٌ بسيطٌ من سيارة حكومية عمرها سنتين في غالب الأحيان، فهل سألنا لم وكيف يحصل ذلك، وهذا ينطبق على الآليات الكهربائية والالكترونية والحواسب الآلية ومتمّماتها التي في حال كانت لديها المتابعة الدورية، لوفّرنا الكثير من الأعطال وحافظنا على جودة أدائها وقدرتها على الإنجاز بالشكل الأمثل..
 سوريتنا لا تحتاج لمسيّر أمور، إنّما لإداري يعمل بجدية تنبع من الإيمان بالوطن، وبمقدّرات المؤسسة والعاملين فيها، آخذين بعين الاعتبار أن الحصار ودعم الإرهاب سيستمر طالما بقيت سوريتنا تدافع عن كرامة كل سوري وعربي وإنسان، ولا تقبل أن تكون تابعةً لأحد إنما الند لجميع دول العالم عدا الكيان الصهيوني الغاصب، فسياسة الاعتماد على الذات هي التي تتطلب استثمار أفكارنا ومواردنا وإمكانياتنا وفق حلولٍ مستديمة ومناقشة المسائل من جذورها نقاشاً متكامل الأركان، وإيمانٌ بالوطن وقيادته وجيشه.