الفساد.. قبل “العقوبات”!.. بقلم: زياد غصن

الفساد.. قبل “العقوبات”!.. بقلم: زياد غصن

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٣ يونيو ٢٠٢٠

سألني أحدهم مؤخراً..
لماذا تصرُّ في كتاباتك على تحميل الفساد والعقوبات معاً مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية في بلدنا؟
وإجابة على سؤاله هذا، سردت له ما حدث معي في دولة عربية قبل نحو عشر سنوات.
فقد تلقيت في العام 2010 دعوة خاصة من إحدى كبريات شركات الطيران العربية، وكان من بين الأنشطة المحددة في برنامج الزيارة لقاء مع أحد مسؤولي الإدارة العليا في تلك الشركة.
في ذلك اللقاء، الذي تضمن عرضاً للمؤشرات الاقتصادية المذهلة الخاصة بتطور الشركة، تم التطرق إلى علاقة الشركة مع الحكومة رداً على سؤال أحد الزملاء، حيث نفى المسؤول وجود أي دعم مالي مقدم من الحكومة للشركة، التي تعتمد على القروض المصرفية لتمويل مشروعها الضخم المتمثل في زيادة عدد أسطول الشركة ليصل إلى 137 طائرة، إذا لم تخني الذاكرة ..
لكن العبارة التي آلمتني جداً وشعرت أنها أصابتني في مقتل ما قاله ذلك المسؤول من أن الشركة دخلت ميدان المنافسة مع شركات عالمية، في وقت هناك شركات طيران عربية مضى على تأسيسها خمسون عاماً، ولم تفعل شيئاً.. لا بل إنها تموت تدريجياً.
هل كان يقصد مؤسسة الطيران العربية السورية؟ لا أعرف ولم أرغب بسؤاله.. لكن هذا ما ينطبق فعلياً على مؤسسة الطيران العربية السورية، التي كانت من أولى شركات الطيران التي جرى تأسيسها في المنطقة، وانتهى بها المطاف بسبب العقوبات والفساد “تتعكز” على طائرة أو طائرتين..
إذ لو كانت مشكلة مؤسسة الطيران العربية السورية تنحصر فقط “بالعقوبات” الغربية المفروضة عليها منذ سنوات ما قبل الحرب على سورية، لما كان حال المؤسسة وصل إلى ما هو عليه اليوم، فهناك طرق كثيرة كان يمكن اللجوء إليها للتحايل على “العقوبات” وتأمين احتياجات المؤسسة، والدليل على ذلك أنه عندما توفرت إدارة نزيهة وفنية للمؤسسة، استطاعت قبل نحو أربع سنوات، وفي ذروة “العقوبات”، شراء طائرة “إيرباص” ووضعها في الخدمة واسترداد ثمنها خلال بضعة أشهر فقط، فضلاً عن نجاحها في تعمير محركات الطائرات وغير ذلك..
لكن حضور الفساد بقوة في مراحل مختلفة من مسيرة عمل المؤسسة تسبب بوصولها إلى مرحلة هي أشبه ما تكون بـ”أرذل العمر”.
فأشهر صفقات الفساد الحكومي المكتشفة في العقود الأخيرة كانت في أواخر التسعينيات مع صفقة “الإيرباص”، لا بل إن المؤسسة هي من بين مجموعة مؤسسات حكومية تحقق الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش في عدد ليس بالقليل من الملفات فيها.
والفساد الذي يضرب مؤسسة الطيران ليس فقط مالياً، فالفساد الإداري هو الأخطر.. وكلنا يعلم ماذا يعني هذا الفساد؟ وإلى أين يقودنا؟
وللأسف هذا ينسحب على الكثير من مؤسساتنا العامة، الخدمية والإنتاجية، التي كان بإمكانها -لولا استنزاف الفساد لقدراتها ومقدراتها المالية والتقنية والبشرية- مواجهة “العقوبات” الخارجية وتداعيات الحرب لسنوات وسنوات..
لذلك فالتوجه نحو تفكيك شبكات الفساد وملاحقة الفاسدين في مؤسسات الدولة يمثل خطوة لا تقل أهمية عن استراتيجية الاعتماد على الذات في مواجهة الحصار الاقتصادي الغربي.. إلا إذا كنا نريد أن يفعل الحصار ما عجزت عنه الحرب الإرهابية!