الإنتاجية الوطنية .. بقلم: سامر يحيى

الإنتاجية الوطنية .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ يونيو ٢٠٢٠

لا تتكلّم بالموضوع، لأنّك لست مختصاً، لأنّك لست خبيراً، لأنّك مجرّد موظّف ولا تملك معطيات المدير، لأنّك لا تعرف ما تقوم به المؤسسات من جهد... هذا الكلام في جزءٍ منه صحيح، ولكن شتّان بين التدخّل فيما لا يعني الشخص، وبين الكاتب أو المثقّف الذي يودّ التعبير عن أفكارٍ ورؤى تحتاج لترجمةٍ على أرض الواقع من قبل المتخصصين.
كم من روايات وأفلام ومسلسلات ولّدت لدى الكثير أفكاراً للابتكار والتطوير وفتحت أبواباً للنجاح، والعكس صحيح، ومنها من تناول موضوعاً نظّنه خيالاً لنجده قد حصل فعلاً على أرض الواقع، وكم من الأفراد قلّدوا شخصياتٍ سلباً أو إيجاباً، وكم تكتب الصحف والمواقع الالكترونية سيناريوهات نجدها بعد فترةٍ قيد التطبيق، فهل هذا تنبؤ أم مؤامرة أم مصادفة، أم استناد لمعطياتٍ، بغض النظر عن الجواب: أليس من المفترض أن يقوم المسؤول ـ لا سيّما كل مسؤول بمرتبة مدير وأعلى لديه فريق عملٍ متكامل ـ بالمتابعة والدراسة والتمحيص والتدقيق بكل ما يشاع أو يقال حول مؤسسته، للقضاء على المشكلات وجذورها وتوقّع حدوثها لإيجاد الحلول الأنسب لها، واستنهاض جهود العاملين لديه وعصر أفكارهم بما يساهم باستثمار الموارد المتوفرة بالشكل الأمثل المستديم.
المواطن له كل الحق أن يتساءل عن اختفاء مادّة أو توفّرها بشكلٍ مفاجئ، وارتفاع سعرها بين الصباح والمساء، وأحياناً سويعاتٍ قليلة، أليست هذه المواد كانت بالمستودع وتم استجرارها بالسعر القديم، حتى وإن كانت استيراداً، بسعر المصرف أو بالسوق السوداء كما يدّعي البعض، ألم تخضع للرسوم الجمركية والفحص أي لا زالت ضمن السعر الحقيقي المفترض أن تباع به، ومن الخطأ الفادح أن نبرّر للتاجر أنّه سيبيع مواده وفق ربحٍ معيّن، لكنّما سيشتري بالسعر الأعلى، فهل نتجاهل أن رأس مال التاجر نتاج مضاعفة نشاطه التجاري والإنتاجي والربح المشروع، وليس استغلال المستهلك، ما دامت المرتّبات وأجور العمالة نفسها لم تطرأ عليها الزيادة؛ أليست التجارة هي عملية تبادل البضائع بين المستهلك والمنتج عبر الوسيط، حتى "السورية للتجارة" المفترض أن تكون وسيطاً نزيهاً، وموجّهاً لبوصلة التجار، ومحافظاً على حقوق المنتج، وتحقّق ربحاً يساعدها على الاستمرار بمهامها على أكمل وجه.
المتابعة ومعالجة صنبور الماء وتمديداته، أجدى نفعاً وفائدةً من استغلال الإمكانيات لتجفيف تجمّع المياه، فمعالجة المشكلات من جذورها أجدى نفعاً من كل محاولات التدخّل التي تسمى "إيجابي" فيستغلها الانتهازي وضعاف النفوس، لأنّ من حق المؤسسات العامة أن تحقّق ربحاً على إنتاجها ووساطتها، ومن حق المنتج أن يعوّض تكلفة إنتاجيته ويسد حاجات اسرته وعائلته للتمكّن من العمل ثانية، ومن حق التاجر استثمار أمواله الاستثمار الآمن الأفضل، وبالتالي الجميع يحقّق الربح بالتضامن والتكافل والتعاضد، ويتم توجيه البوصلة بالاتجاه الصائب لها، واستثمار خبرات المثقفين وأصحاب الرأي والدراسات والأفكار، انطلاقاً من الواقع الراهن والإمكانيات المتوفرة، وبالتالي توجيه الدعم لعملية الإنتاج بكلّ مكوّناتها ومتمّماتها، بحيث يصل المنتج للجميع وفق سعرٍ منطقيٍ مدروس، ويعاد توجيه الدعم وجهته الحقيقية لزيادة العملية الإنتاجية.
أولى طرق دعم العملية الإنتاجية استثمار البنوك أموالها، بدلاً من تقديمها على شكل قروضٍ شخصية أو مؤسساتية، عبر تمويل المنشآت الاقتصادية والإنتاجية والزراعية ومقومّات إعادة الإعمار تمويلاً مباشراً، بما فيها إشادة المساكن في المناطق التي دمّرها الإرهاب، وفقاً أسسٍ علمية مدروسة مستكملة أركانها بدءاً من موقف سيارات وصولاً للطاقات المتجددة التي يستفيد منها كل سكان البناء بآنٍ معاً، بحيث ينتهي من بناءٍ ليسلّم لأصحابه وفق مبالغ تقسيطاً أو نقداً، وبيع الشقق المتبقية لصالح المصارف والشركات وفق عملية تقاصٍ منطقية، ومن ثم بناء حارةٍ لنرى أنفسنا قد بدأنا ببناء مدينة كاملةٍ بوقتٍ منطقي، بما يؤدي لتعزيز الاعتماد على الذات، وتوفير البنية التحتية للمستثمرين المغتربين والأشقاء والأصدقاء، لتحدّي كل معوّقات إعادة الإعمار، واستثمار كل الآليات والمعدّات والعمالة على مدار الساعة، بإجراء الصيانة الدورية لاستمرار حسن أدائها، وتأمين الوقود بمقر العمل، مما يؤدي لتحقيق إنجازٍ أسرعٍ بجودةٍ وإتقان، ونستغل فترة فصل الصيف، فمن المحزن أنّنا نرى الكثير من المعدّات ـ سواءً قطاع عام أو خاص ـ متوقّفة بحجة عدم وجود عمالةٍ أو تحتاج لصيانةٍ أو انتهى المشروع وغيرها من تبريرات لا منطقية.  
وهذا لا يعفي كبار التجار من الاندماج في العملية الإنتاجية كلٌ ضمن تخصصه، فمن غير المنطقي أنّ ممولاً كبيراً لعدّة أسواق تجارية، لا يموّل أو يرعى مصنع أو ورشة صغيرة إنتاجية ضمن تخصصه، سواء كانت استثماراً زراعياً أو صناعياً أو المداجن وتربية الأبقار والأغنام ومستلزماتها...، بما يساهم بجعل الجميع يداً واحدةً في استثمارٍ مستديم للموارد الوطنية، وتلبية الاحتياجات المجتمعية، وتفعيل دور كل مواطنٍ في زيادة عملية الإنتاج، والاعتماد الكلي على الذات، بجودة وإتقان، بما يؤدي للقضاء على المشكلات الاجتماعية والبطالة وما يتولّد عنها من عنفٍ وتصرّفات لا أخلاقية يتسلل منها العدو لخلخلة المجتمع ومحاولة تمزيق كيانه، إضافةً إلى أن زيادة الإنتاج تؤدي لتصدير الفائض، وتتقلّص فاتورة الاستيراد للأمور الهامة والضرورية ولها عدّة طرقٍ لتمويلها، رغم كل العقوبات والحصار الذي يفرضه الأعداء.
لا خوف على سوريتنا فالله حاميها، ولكننا يجب أن ننهض أسرع، عبر تضافر جهود الجميع قطّاع عام وخاص ومشترك وأفراد ومغتربين، لنستكمل النجاح في كافة الميادين، وتثبيت الصمود وتعزيز الولاء والانتماء الوطني والإخلاص للثالوث المقدّس "الشعب والجيش والقائد" لنتمكن من تحديّ بل النهوض أقوى في وجه أعداء الخارج، وأدواتهم في الداخل.