بطل الإنتاج...؟!.. بقلم: سامر يحيى

بطل الإنتاج...؟!.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ٧ يونيو ٢٠٢٠

يبذل كل جهده في أداء واجبه واستكمال المهام الموكلة إليه بجودةٍ وإتقان، باستثمار الإمكانات المتوفرة، والموارد المتاحة، ومجابهة التحديّات وإزالة العراقيل والعقبات، ولدينا ثلاث نماذج لبطل الإنتاج نحتاج لدراستها بكلّ جديّة واهتمام:
ـ رغم استكمال الشروط الإنتاجية والفنية لمعمل صناعة إطارات السيارات السوفيتية، تنفجر الإطارات بعد فترةٍ وجيزةٍ من استخدامها، وبعد التشخيص تبيّن أنّ شخصاً كُرّم لعدّة أشهرٍ كبطل انتاج لأنّه استطاع تخفيض الهدر وضغط النفقات، عبر تقليل عدد الأسلاك الأساسية في صناعة الإطار؛ مما خلق كارثة ماديّة ومعنوية.
ـ مشروع للطاقة الحيوية كلّف ثلاث أضعاف حاجته، افتتح بضجّة إعلامية ومقارنةٍ وإشادةٍ وشعارات وطنية، لكن بعد انتهاء التصوير لم يعد ينتج سوى جزءٌ بسيط من كلفته اليومية.
ـ مجموعة عاملين، استطاعت صيانة وإصلاح وتطوير محطة كهربائية، لتعطي ضعف قدرتها الأساسية وريعاً مادياً ومعنوياً كبيراً جداً.
إن الإدارة الفاعلة هي التي تستثمر جهد كل عامل لديها بإنتاج مستديمٍ، لا مجرّد سحابة عابرة، لا سيّما أنّنا نملك موارد بشرية ومادية، تحتاج إعمال الضمير الوطني، لتحدّي كل محاولات الأعداء وأدواتهم التي لن تتوقّف، واستنهاض الجهود وتبادل الرؤى والأفكار والبيانات، بعيداً عن الدورات والندوات واللقاءات والجولات وأبحاث القص واللصق والأوامر التسلّطية، وإضاعة الوقت تحت شعار "دورات تأهيلية وتدريبية وامتحانات أكاديمية" تنظيرية بعيدة عما يجري على أرض الواقع، وعن دور كل عامل والمهام المنوطة به، فالإدارة لديها البيانات والمعطيات والأهداف، والعامل لديه التجارب التطبيقية ومشاهداته أثناء تنفيذه للعمل، وبالتالي التكامل بين العاملين جميعاً "مديراً أو عاملاً" ضمن التسلسل الإداري، لا تسلّط ولا استهتار.  
بعد تجارب "فيروس كورونا" المفترض أنّ مؤسساتنا باتت قادرة على إعادة النظر بتقييم دورها وأدائها، وتقديم مشروع موازنة العام القادم بسرعٍة لا تسرّع، واستبدال عبارة "ضغط النفقات وضبط الهدر" بالتساؤل: ما المعوّقات والعقبات، ما الإمكانات والموارد؟ ما الهدف من هذا البند ودوره في زيادة الإنتاج ومضاعفة الأداء وتحقيق الجودة؟ هل يتناسب المبلغ المرصود مع الحاجة الحقيقية؟ هل استثمرنا التقدّم التكنولوجي والتجارب السابقة؟ لنبدأ مباشرةً بالعمل الجاد وحصد النتائج، فالفترة الماضية كافيةٍ لتفادي كل خللٍ، والبدء بالعمل الذي يلمس كلّ مواطنٍ آثاره، فهل تساءلنا هل البطاقة الذكية شكّلت عبئاً على موازنة الدولة وأضاعت البوصلة، أمّ أنّها استطاعت ضبط الأسواق وخفض الأسعار والقضاء على السوق السوداء والتهريب، والتوزيع الصحيح للموارد وإعادة تنظيم جباية الضرائب، وتعداد الأسر وحاجاتها، لا سيّما أنّها استندت على البطاقة الأسرية والرقم الوطني، الذي يحمله كل مواطن بلغ الرابعة عشر من عمره، وكل منشأة لها سجلٌ ورقم، وغيرها الكثير من التساؤلات والتجارب التي قمنا بها.  
هل نحن بحاجة لجولات تفقدية وزيارات ومجالس استشارية وندواتٍ ولقاءاتٍ لمعرفة البيانات والمعطيات ومعرفة نبض الشارع، أليس كل شيء بات واضحاً، والبيانات المفترض أنّها قد توفّرت بسهولة لدى صنّاع القرار في ظل هذا التطور التكنولوجي، ونقطع الطريق على من يدّعي أن "لدى المؤسسات معطيات لا يعرفها الآخر"، فهل أصحاب القرار والمجالس الاستشارية والعاملون في المؤسسات وذوي الخبرات ليسوا بأهلٍ للثقة للمشاركة بدراسة القرار بكلّ جوانبه للوصول للحل الأمثل، ما دامت المسائل تتأزم، والفشل ـ عدا النجاح الروتيني ـ مستمر، فعلى المسؤول أن يفرّق بين المعطيات والبيانات السرية التي لها تخصصها وأصحابها، وبين المعطيات الأساسية المطلوبة لعملية صناعة القرار الناجز وتطوير الإنتاج واستنهاض الجهود، وقطع الطريق على المنظّرين ومنتهزي الفرص ومشوّهي السمعة ومحاولي توسيع الفجوة بين المواطن، والتمييز بين إدارة النقص، وبين إدارة الموارد واستثمارها بالشكل الأمثل، وابتكار الآليات والحلول المستديمة لمضاعفة عملية الإنتاج، لا نفرح لسويعاتٍ وساعات تصويرٍ ولقاءٍ تلفزيوني ثم نعود لنقبل بسير الحياة الروتيني، الذي بكلّ تأكيد هو تراجعٌ قاتل.
هل استفادت المؤسسات من لقاءات مسؤوليها الدورية، ورؤى عامليها، وصناديق وأرقام الشكاوى ومواقع التواصل، والواسطة، بدراستها واعتبارها حالةٌ عامة لإيجاد الحلول من جذورها، لا مجرّد حالة فردية، بما يساهم على الحفاظ على هيبة المؤسسة، ومضاعفة إنتاجيتها، واستثمار طاقتها بجودة واتقان واستدامة.
إن المدير الذي يعتبر أن لديه عاملٌ آدميٌ وأخلاقي ولا داعٍ للضغط عليه هذه هي قدرته، أو يدّعي أن فريق عمله غير قادر على التجاوب معه، أو يضطرّ العامل لرفع شكواه للسلطة الأعلى، فهو مديرٌ غير جدير بالثقة لقيادة القسم أو المؤسسة، لأنّه لا يختلف عن أسلوب الفاسد سواءً كان فجاً غليظاً ينهب المال العام، أو هادئاً مسالماً يفرّط به ولا يضاعف إنتاجه؛ فالمدير الناجح من يستقطب عامليه ويكوّن فريق عملٍ ناجحٍ، وتجاوز المشكلات والتحديّات، واستبدال سياسة الباب المفتوح الفوضوية، والباب المغلق التسلّطية، بالإدارة التفاعلية التي تستثمر كلّ زاويةٍ في المؤسسة يداً بيدٍ، لأنّ عود الكبريت لا يمكنه إشعال شمعةٍ أخرى بعد أن ينطفئ، ويستطيع إشعال عشرات الشموع ما دام مشتعلاً.  
بطل الإنتاج ليس بأرقامٍ وهمية، ولا بشعارات نظرية، ولا بولاء ومديحٍ وإطراءٍ شخصي، ولا بنجاحٍ روتيني، أو صدفةٌ أو جهدٌ لمرّة واحدة، إنّما هو الشخص القادر على تطوير الأداء واستمرارية العطاء ومضاعفة الإنتاج بجودةٍ عالية، ووقتٍ أقصر، رغم الظروف المحيطة، والموارد والإمكانات المتاحة، والقضاء على كلّ ثغرةٍ يحاول الأعداء التسلل من خلالها لتدمير الوطن، وتوسيع الفجوة بين المؤسسات والمواطن.