خريف أمريكا العنصري.. بقلم: د. خليل حسين

خريف أمريكا العنصري.. بقلم: د. خليل حسين

تحليل وآراء

الخميس، ٤ يونيو ٢٠٢٠

بعد وصول باراك أوباما كأول رئيس أمريكي من أصول إفريقية، شاع اعتقاد في الداخل الأمريكي، مفاده، أن المجتمع الأمريكي تخطى عقدة التمييز العنصري التي سادت في السلوك الجمعي لسنوات طويلة، إلا أن الكثير من الأحداث، أثبتت أن هذا السلوك ليس عابراً في الحياة السياسية الأمريكية، بل له أسبابه التي من الصعب تجاوزها، إذ إن التمييز العنصري انطلق من خلفيات قانونية أرست أكثر من مجرد أعراف تسببت في الكثير من الأذى المجتمعي.
وعلى الرغم من أن موجة الاحتجاجات القائمة على خلفية مقتل جورج فلويد ليست سابقة في حد ذاتها، فإن وقائعها وردود الفعل عليها، أعطتها زخماً أقوى، وبالتالي تأثيرات أكثر حدة في الحياة السياسية الأمريكية، لجهة تأثيرها في مجريات الانتخابات الرئاسية القادمة، لاسيما وأن، اتهامات متبادلة بين الجمهوريين والديموقراطيين أخذت طابعاً انتخابياً أكثر منه اجتماعياً.
إن التدقيق في خلفيات بعض الأرقام وتداعياتها الاجتماعية والسلوكية، تظهر صوراً قاتمة، فتعداد السود يبلغ 26 مليوناً أي 11.4% من مجموع السكان، وهذه الفئة تعد من الأقليات الكبرى، التي جلبت من القارة الإفريقية، واستغلت كوقود إنتاجي في ظروف قاسية، عمقت الشرخ الطبقي، وأعطت التمييز العنصري لوناً أشد سواداً على مر السنين. وبات التعامل مع هذه الفئة، تراثاً يتم التعامل فيه من دون خجل في مجتمع يدعي شرب الديموقراطية مع حليب الأطفال.
وعلى الرغم من الإنجازات السياسية المتفرقة، فإن السود لا يزالون يعانون تمييزاً قاسياً، ويظهر ذلك من خلال الوظائف المتاحة لهم والتي لا تصل في أحسن الأحوال إلى 1% من الوظائف الإنتاجية، في حين يصل دخل الفرد الأبيض إلى ضعف نظيره الأسود، ما عزز التفاوت الطبقي بشكل مخيف، لاسيما وأن نسبة البطالة لدى السود هي ضعفها لدى البيض، وتنعكس تلك النسبة على الحالة التعليمية في مختلف مستوياتها، حيث يسجل ترك السود التعليم في مختلف المراحل، لأسباب متعددة مثل: صعوبة الاندماج الاجتماعي أو عدم القدرة على تأمين البدلات التعليمية، ما أسس لشروخ سلوكية، يصعب ردمها في ظروف تقليدية.
وظاهرة التمييز ليست جديدة، بل تعود جذورها وتداعياتها إلى قرون مضت، وعلى الرغم من بروز محاربتها في غير مفصل تاريخي، كنضالات مارتن لوثر وتمدده من الجنوب باتجاه الشمال، فإن استمرار الفروق الشاسعة، أعاد ظهور التمييز بأشكال أشد قسوة، خاصة وأن أحداثاً متفرقة تظهر حالات قتل لأفراد سود لأسباب لا يعتد بها، ويمكن تفاديها، في الوقت الذي يتم غض الطرف عن الوسائل السيئة في معالجتها، الأمر الذي زاد من نقمة السود، وتمردهم في الفترة الأخيرة، وتم التعبير عنها بوسائل عنيفة.
وعلى رغم من محاولات الاحتواء، فإن حالات الاحتجاج تمددت لتصل إلى مستويات غير مسبوقة.
ثمة مشكلة حقيقية يصعب التغاضي عنها في مجتمع تعددي تحكمه آليات اجتماعية واقتصادية لا تتسم بعلاقات إنسانية مرنة، ما يعزز الشعور بالدونية لشريحة عانت كثيراً، ولم تجد مخرجاً لها، بل تجمعت صور مضادة لها، تمثلت في شعور التفوّق العرقي لدى البيض، والذي يولد في الأغلب احتقاناً تصعب السيطرة عليه. فعلى الرغم من وجود الآليات السياسية والقانونية التي حاولت الحد من المظاهر السلبية للتمييز، فإن الفوارق ظلت متأصلة في السلوك المجتمعي، وخاصة لدى السود، الأمر الذي كوّن البيئات المناسبة لإعادة إنتاج العنف بين فترة وأخرى.
إن إعادة التكوين في المجتمعات المتعددة، تتطلب مسيرة طويلة من التضحيات المتبادلة، وخاصة من الشرائح المتحكمة اقتصادياً وسياسياً، الأمر الذي لم يظهر في المجتمع الأمريكي حتى الآن، ما يثير تساؤلات مرعبة حول ديموقراطية النظام، وقدرة الليبرالية الجديدة على ترجمة العديد من شعاراتها وبرامجها المتعلقة بالمساواة والعدالة الاجتماعية.
اعتقد الكثيرون أن الولايات المتحدة انتقلت إلى القرن الحادي والعشرين بجلباب التسامح مع الماضي الأسود للتمييز العنصري، إلا أن الوقائع أثبتت العكس.
إن مجمل الظروف الخارجية والداخلية التي تعيشها الولايات المتحدة، تشير إلى صعوبة ردم الفجوة في مجتمعها التعددي، ما يفاقم المشكلة ويعقدها، ويزيد من صورها النمطية في الحياة السياسية والاجتماعية.