الاستثمار “الضائع”!.. بقلم: زياد غصن

الاستثمار “الضائع”!.. بقلم: زياد غصن

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ مايو ٢٠٢٠

في كل مرة أقرأ شيئاً عن قطاع التربية والتعليم، تقفز إلى مخيلتي تلك القصة التي رواها لي صديق عزيز، وأعيد نشرها باختصار شديد.
يقول صديقي، الذي لا تنقصه المعرفة والفطنة، إنه عندما كان مقيماً في بولونيا بداية تسعينيات القرن الماضي بحكم عمل والده، لفت نظره إعلان في صحيفة محلية تطلب فيه الحكومة معلمات للصف الأول. وكان من ضمن الشروط المطلوب توافرها في المتقدمات، إضافة إلى الشهادة، أن يكون عمر المتقدمة 45 عاماً وما فوق، وأن تكون جدة أو أماً.
وفي جانب المزايا الممنوحة لمن تتوافر فيها الشروط، فإن الراتب الشهري كان رسمياً أعلى راتب يمنح لموظف أو مسؤول في تلك الدولة.
بهذا النمط من التفكير والعمل تجاوزت بولونيا أزمتها المتولدة جراء تفكك الاتحاد السوفييتي، وأعادت بناء مؤسساتها بشكل عصري، وهي اليوم دولة يحسب لها حساب في القارة الأوروبية.
لذلك فالاستثمار في التعليم هو أكثر ما تحتاجه سورية في مرحلة إعادة البناء. ولا أعتقد أن هناك من يشكك بأهمية هذا الأمر، وأولويته في هذه المرحلة.
هذه الأولوية ليست مسؤولية الحكومة فقط، وإن كانت هي المعنية أولاً وأخيراً بالإشراف والتخطيط ومراقبة التنفيذ، فالقطاع الخاص يتحمل المسؤولية نفسها، سواء كان مستثمراً في هذا القطاع أو كان يستثمر في مجالات وقطاعات أخرى.
لكن هل القطاع الخاص بمستوى هذه المسؤولية؟
للأسف كما هو الحال مع جميع القطاعات التي يتواجد فيها هذا القطاع، فإن حضوره في التعليم لم يكن إلى الآن أكثر من مشروع تجاري تغلب فيه كفة الربح على كفة الهدف التربوي، وهذا أمر تعمق أكثر خلال سنوات الحرب الإرهابية على سورية مع ضعف الرقابة الحكومية على أداء المؤسسات التعليمية لأسباب مختلفة.
وأكثر ما يؤخذ على أداء تلك المؤسسات خلال سنوات الحرب ملاحظتين..
-الأولى أن هذه المؤسسات لم تطلق مبادرة وطنية واحدة تدعم جهود المؤسسات الحكومية الساعية لسد فجوة الضياع الحاصل في سنوات “التمدرس”، وهو أمر يدفع نحو حقيقة “انعزالية” الاستثمار الخاص في هذا القطاع.
-الثانية وتتعلق بالتجاوزات الحاصلة في ملف الرسوم التي تتقاضاها تلك المؤسسات، وهو الملف الذي يحظى حالياً باهتمام شريحة واسعة من المواطنين بعد الأخبار المتداولة عن رفع المؤسسات لرسومها بنسبة تتجاوز أحياناً الضعف، لاسيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
فإلى جانب تناقضها مع مستوى الخدمات المقدمة ومخالفتها للأنظمة والقوانين، فإن فرض رسوم مرتفعة سنوياً دون مبررات موضوعية يخرج هذه المؤسسات من مسارها التربوي والتعليمي والثقافي المفترض، ويحولها إلى مجرد واجهات استثمارية “جديدة” لا أكثر ولا أقل…!
عندما سمح للقطاع الخاص بالاستثمار في مجال التربية والتعليم، لم تكن الغاية مجرد توفير قنوات استثمارية جديدة لأصحاب الأموال، وإنما تشجيع القطاع الخاص على “حمل كتف” عن كاهل الدولة والنهوض بجزء من المسؤولية في إعداد رأس مال بشري متميز.
وهذا للأسف توجه شابهه كثير من الانحرافات التي تحتاج اليوم إلى عملية تصحيح جوهرية، تكون بدايتها مع عملية تقييم موضوعية لأداء المؤسسات التعليمية في قطاعي التربية والتعليم، يتم خلالها تحديد نقاط الضعف ليصار إلى تجاوزها بشكل قانوني.. وأعتقد أن وزيري التربية والتعليم العالي يفكران بالمنحى نفسه.