تجربة الفيروس.. بقلم: أحمد مصطفى

تجربة الفيروس.. بقلم: أحمد مصطفى

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٠ مايو ٢٠٢٠

ليس أمام البشرية، التي بدأت تخفف من قيود المكافحة ومنع انتشار الوباء، إلا أن تستعد للتعايش مع الأمر لوقت طويل نسبياً.
نقترب من نصف عام على بدء انتشار الوباء الذي أعلن أن سببه فيروس سمي (كوفيد-19) وهو نسخة متحورة من فيروسات العائلة التاجية (كورونا) التي تم عزل أشهر سلالاتها في الصين مطلع القرن مع وباء (سارس). ورغم انتفاض العالم لمواجهة الوباء وشحذ العلماء والباحثين همتهم لسبر غور سبب الوباء، إلا أنه يبدو حتى الآن أن ما وصل إليه العلم يطرح أسئلة أكثر مما يحسم استنتاجات تبنى على أساسها سبل المكافحة والمقاومة والعلاج.
إن ما ينشر علمياً حتى الآن يشير إلى أن العلماء ما زالوا يستكشفون الفيروس. ليس ذلك فحسب، بل إن الإعلان عن خريطة جينية من هنا وهناك كل فترة - غير تلك التي أعلنتها الصين في يناير - يوحي بأن هناك أكثر من فيروس، أو على الأقل أكثر من فصيل. حتى الاستنتاجات من البيانات والأرقام والتجارب تدل على أننا ما زلنا «نستكشف»!
مفهوم أنه وباء جديد تماماً، ويحتاج إلى وقت للإحاطة بكل ما يتعلق به والبحث قبل التجربة للقاح أو علاج، لكن حتى الفصائل الجديدة من عائلات الفيروسات التي لها «أرشيف» علمي وبحثي يمكن سبر غورها بسرعة، استناداً إلى خصائص أساسية للمجموعات الفيروسية. من الواضح أننا أمام وباء سيأخذ وقتاً لمعرفته تماماً وبالتالي حسم الوقاية والعلاج منه.
تقديري، بما أني أعرف قليلاً عن الفيروسات من دراستي الجامعية قبل عقود ومن تجربة مباشرة معها قبل سنوات، أننا لا نحصل على إجابات حاسمة ولو بمؤشرات أولية من البحث والتحليل العلمي، وأن كل ما يجري هو من قبيل التجربة - بالاحتمال والخطأ - حتى نعثر على نتيجة، على طريقة «تفاحة نيوتن». وللأسف فإن ذلك يفتح الباب أكثر أمام التفسيرات غير العلمية ونظريات المؤامرة والدجل والتخرص والشعوذة، التي ربما ضررها على البشرية أشد من ضرر الفيروس.
منذ أيام أفاق صديق عمري من غيبوبة - طبية مقصودة - بعد أسابيع من وضعه على جهاز التنفس الصناعي في أحد مستشفيات السويد، إثر تدهور حالته الصحية بسرعة بعد إصابته بالفيروس أثناء عمله في خط الدفاع الأول كطبيب جراح يُعدّ من بين رواد تخصصه في العالم. لم أفهم كثيراً حالته وقتها، فكان الهم الرئيسي هو أمل أن يمر بالأزمة ثم «نرى ونفكر». أما الآن، فقد علمت أن ما جرى (وبالتفصيل من زملائه الأطباء الذين كانوا يعتنون به ومن محاولته هو أيضا تشخيص ما حدث له)، يختلف عن كل ما نسمع ونقرأ عن فيروس كورونا الجديد.
لم يكن ما أصابه مرضاً تنفسياً فتاكاً، بل فشل لكافة أعضاء الجسم الحيوية - وليس نتيجة فشل الرئتين، بل بشكل مفاجئ متزامن. ورغم أن اختباراته للفيروس كانت إيجابية، وتعددت سبل تفسير الإصابة بالتعرض لمريض أو زميل طبيب مصاب بدون أعراض، إلا أن ذلك لم يشخص تماماً ما حدث للجسم.
ولأنه لا يتوفر أي تفصيل علمي دقيق للفيروس الجديد، ولأن حالة صديقي الطبيب ليست فريدة ربما - فهناك حالات مشابهة في بريطانيا وغيرها، ولجراحين بالتحديد - فمن الصعب استنتاج أن فيروس كورونا هو السبب. وهذا ما يفتح باباً آخر، لا شك أنه يحير العلماء والباحثين، للتفكير بطريقة غير عادية وربما تتجاوز القواعد والبروتوكولات المعروفة للبحث العلمي الطبي.
ليس أمام البشرية، التي بدأت تخفف من قيود المكافحة ومنع انتشار الوباء، إلا أن تستعد للتعايش مع الأمر لوقت طويل نسبياً. وليس في استعجال إنتاج لقاح أو علاج سوى محاولات تجربة أكثر منه تطور يستند إلى استنتاج علمي دقيق لسبب الوباء وعوامل انتشاره. ويذكرني ذلك بالتجربة، بالاحتمال والخطأ، مع فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي (فيروس سي) التي استمرت سنوات حتى تم التوصل إلى علاج وتم تطوير العلاج أكثر من مرة خلال سنوات أيضاً ليكون فعالاً ويعالج مرضى الفيروس بنجوع.
ما نحتاج إليه الآن، رغم أهمية الشفافية وأن يعرف الناس ما يجري، هو الفصل بين العلم والسياسة والاستفادة من تجارب سابقة احتاج فيها العلماء والباحثون إلى العمل بعيداً عن ضغط السياسيين والشركات والأعمال حتى يصلوا إلى حلول جذرية وليس التجربة بالاحتمال والخطأ لمدة طويلة.