الاتفاق الروسي – التركي حول ادلب.. الى أين؟.. بقلم: شارل ابي نادر

الاتفاق الروسي – التركي حول ادلب.. الى أين؟.. بقلم: شارل ابي نادر

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٩ مايو ٢٠٢٠

حتى الآن، وبعد مرور حوالي الشهرين تقريباً على اتفاق موسكو، بين الروس والأتراك، والخاص بتنفيذ مجموعة من الاجراءات الميدانية والأمنية، في البقعة الأخيرة من سيطرة الارهابيين في الشمال السوري، لم يسلك المسار التنفيذي لهذا الاتفاق ولو بنسبة جزئية، وبقي حتى الآن يتعرقل من قبل نفس المجموعات الارهابية التي كانت أساساً وراء عرقلة اتفاق سوتشي، ولنفس الأسباب تقريباً، والمتعلقة بعدم موافقة جبهة تحرير الشام وبعض المجموعات الارهابية الأخرى الملتصقة بها على تنفيذ الشق المتعلق بها.
أغلب نقاط اتفاق موسكو المذكور، تحمل تقريباً نفس مضمون اتفاق سوتشي، والموقّع أواخر العام 2018 بين الروس والاتراك، والتي تتمحور في اتجاهين:
ميداني، ويقوم على فرض منطقة آمنة وخالية من الأسلحة الثقيلة على كامل خط المواجهة الحالي بين الجيش العربي السوري وبين الارهابيين، وعلى فتح طريق حلب اللاذقية الدولية، على أن تكون مغطّاة بدوريات مشتركة روسية تركية على هذا الطريق المدعو (ام 4)، اعتباراً من ترمبة غرب سراقب مباشرة، وحتى عين الحور في ريف اللاذقية الشرقي، والواقعة الى الجنوب الغربي من جسر الشغور.
وتضمن أيضاً الاتجاه الميداني للاتفاق، إجراءً عملانياً آخر، يقوم على فرض منطقة آمنة وخالية من المسلحين بعرض عشرة كلم شمالها وبنفس المسافة جنوبها، وحيث تشكل هذه المساحة الجغرافية نواة انتشار الارهابيين، بين مدينة اريحا حتى مدينة جسر الشغور مروراً بمدينة محنمبل ومداخل سهل الغاب الشمالية، كان هذا الاجراء هو الأكثر حساسية وصعوبة لناحية امكانية التنفيذ.
سياسي أمني: يقوم على فصل المجموعات الارهابية عن الأخرى غير الارهابية، وعلى نشر نقاط مراقبة وتنسيق تركية وروسية داخل عمق بقعة انتشار المجموعات المذكورة، والتحضير للبدء بتفاوض، بعد أن تتعيّن بشكل نهائي اللجنة الخاصة بدراسة الدستور، وموضوع الفصل هذا، كان واضحاً ايضاً أنّه من الاجراءات المعقدة وصعبة التنفيذ.
حتى الآن، لم يتمّ تنفيذ أي من البنود المذكورة، وحتى نكون دقيقين، فقد تمّ تنفيذ بضعة دوريات مشتركة، لم تتجاوز أطولها العشرة كلم من أصل 70 كلم كطول للمسلك المحدد في الاتفاق، وظهرت عملياً، أغلب هذه البنود مرتبطة ببعضها بشكل شبه كامل، حيث لا يمكن تنفيذ دوريات مؤلّلة على طريق ام 4 بشكل آمن، اذا لم يتم اخلاء جانبي الطريق المذكور شمالاً وجنوباً من الارهابيين، ومع عدم تنفيذ هذا الاخلاء أو مع عدم تنفيذ اعادة الارهابيين انتشارهم، لا يوجد أيّة امكانية لنشر نقاط مراقبة داخل البقعة التي هي حتى الآن غير آمنة، لا بل ما زالت بامتياز بقعة عمل ونفوذ وتحرك وسيطرة الارهابيين.
في الواقع، بعد توقيع اتفاق موسكو مباشرة، كان واضحاً ومن الرفض الفوري والعلني له من قبل جبهة “تحرير الشام” وحلفائها من المجموعات الارهابية الاخرى، أن هناك استحالة لتنفيذه بغير القوة، حيث تُعتبر الجبهة الارهابية المذكورة أنّ التزامها بالاتفاق سيكون قاضياً لوجودها ولنفوذها، وحيث أن الاتفاق وعبر أكثر نقاطه حساسية، يقوم على حساب انهاء الجبهة المذكورة، كان واضحاً أن هناك عقدة لا يمكن أن تحل الا بالقوة.
أمام هذه المعطيات والتي من الطبيعي أنّ الروس والأتراك كانوا في جوِّها بشكل كامل، يمكن الاستنتاج أنّ الأتراك وقّعوا الاتفاق مرغمين، وذلك للأسباب التالية:
اولًا: لمحاولة الالتفاف على النتائج الميدانية التي فرضتها وحدات الجيش العربي السوري، والتي تمثّلت بتحرير أغلب ريف حلب الغربي والقسم الأكبر من ريفي حماه الشمالي وريفي ادلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، ضمناً طريق حلب حماه كاملة، ولفرملة اندفاعه هذا، والتي لو قدر لها (الاندفاعة) المتابعة وعدم التجميد من قبل الروس والاتراك معاً، كنّا الآن نتكلم عن وضعية ميدانية مختلفة بالكامل في جميع مناطق نفوذ الارهابيين والأتراك حتى الحدود الشمالية.
ثانيًا: عندما وقّع الرئيس التركي رجب طيب اردغان اتفاق موسكو، كانت عينه على ليبيا، وكان حينها يعمل على ربط النزاع مع الرئيس بوتين في تلك المنطقة الاستراتيجية من الساحل الافريقي، وحيث يعتبر بوتين شريك وخصم اردوغان بنفس الوقت في الملف السوري، حاول أن يخلق معه ذات المعادلة في ليبيا، ولو سارت الأمور له في ليبيا كما يبتغي، كان يمكن الحديث عن امكانية تسهيله للملف السوري وتحديداً عبر اتفاق موسكو والمتربط باتفاق “سوتشي”.
من هنا، لا يمكن بتاتاً القول إن جبهة “تحرير الشام” هي فعلياً من يعرقل اتفاق موسكو، بالرغم من امتلاكها القدرة والحافز، وبالرغم من أنّها تصادمت مع الأتراك وعبر مسرحية مركبّة لم تكن الأولى بين الطرفين، ولكن، يمكن اعتبار أن أنقرة هي التي انسحبت من التزامها في اتفاق موسكو، عندما رأت أن ربط النزاع الذي أرادته مباشراً مع روسيا في ليبيا دخل عليه عدّة عوامل خارجية، أوروبية بشكل عام وفرنسية ويونانية بشكل خاص، وما كان صالحاً للمقايضة مع الروس بين ليبيا وسوريا، أصبح صعباً بعد أن تعقّد المشهد الميداني والسياسي في ليبيا، لناحية الحظر الاوروبي على الأسلحة التركية لحكومة الوفاق (السراج)، بمواجهة خليفة حفتر، والذي طالما كان يحظى بدعم روسي وبرعاية مباشرة مصرية اماراتية سعودية.
وهكذا يمكننا الربط وبكل موضوعية بين عرقلة أنقرة لتنفيذ اتفاق موسكو في ادلب، وبين ما تنتظره أو ما تطمح اليه في الملف الليبي، والذي كما يبدو، وبعد دخول اليونان ومصر والامارات عليه بقوة، يمكن القول أنه أصبح مرتبطاً بملف غاز شرق المتوسط بامتياز.
وأخيرًا، يبقى الموقف الروسي فيما بين كل هذه الملفات غير واضح، وكما يبدو، من الصعب استنتاج ماذا ينتظر الرئيس بوتين، حتى يُظهر حسمه وصرامته بمواجهة أنقرة في الملف السوري، بالرغم من سلسلة الاتفاقات المعنية بالموضوع، والتي وقّعها حتى الآن مع تركيا، جميعها كانت تصبّ في اتجاه التزام تركيا بتسهيل الحل في ادلب.
العهد