رغم «كورونا».. تركيا تكثّف مغامراتها.. بقلم: محمد نور الدين

رغم «كورونا».. تركيا تكثّف مغامراتها.. بقلم: محمد نور الدين

تحليل وآراء

السبت، ١٦ مايو ٢٠٢٠

في ذروة «كورونا» كان الجيش التركي يرسل تعزيزات إلى إدلب، في وقت لم يبادر إلى أي خطوة للتخلص من التنظيمات الإرهابية
كان من المتوقع أن تُحدث جائحة كورونا مراجعة للعديد من السياسات، في العديد من الدول، لجهة إيلاء الأولوية لحماية صحة المواطنين، بدلاً من الانشغال في قضايا ومغامرات خارجية.
فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاول أن يغطي فشله في مواجهة كورونا بالهجوم على الصين وتحميلها مسؤولية انتشار الوباء والتهديد بتدفيعها ثمن ذلك، فيما هو لا يعير أهمية لحياة مواطنيه، معطياً تنشيط الاقتصاد أولوية. وهذا كان دأب رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون الذي تبنى نظرية «مناعة القطيع»، بترك من أفنوا حياتهم في خدمة الوطن والدولة ليموتوا بعدما بلغوا من العمر عتيا.
لم تشذ تركيا عن هذه القاعدة عندما تلبست بحكومة رجب طيب أردوغان قناعة وهمية أنه يمكن لتركيا أن تبقى بمنأى عن أن تصاب بالكورونا. فإذا بهذا الوباء ينتشر في تركيا كما لو أنهم فوجئوا به، فيما الحقيقة أن أردوغان كان يراهن ويشدد على أهمية إعطاء الأولوية لاستمرار الإنتاج. فكان عدد الإصابات يتصاعد يومياً بمعدل خمسة آلاف، لتحتل تركيا مرتبة متقدمة في هذا السياق.
على الرغم من كل ذلك، لم يتوقف الرئيس التركي عن انتهاز الفرصة واستغلال آلام الناس، بأن أراد أن يجيّر الفضل بمساعدة الذين اضطروا للبقاء في البيت نتيجة الجائحة إلى الحكومة فقط. فمنع البلديات الكبرى المحسوبة على المعارضة، وفي مقدمتها إسطنبول وأنقرة وأزمير، من جمع التبرعات والمساعدات لمن اضطروا للبقاء من دون عمل. كما عمل على الانقلاب على نتائج الانتخابات البلدية بإقالة العديد من رؤساء البلديات المعارضة والكردية وتعيين موالين للحكومة بدلاً منهم.
كذلك لم تحل جائحة كورونا من دون استمرار أردوغان في مغامراته الخارجية. فتهديداته للنظام السوري، كما
رسائله إلى روسيا لكبح أي محاولة لاستئناف تحرير إدلب من الجيش التركي ومرتزقته من الفصائل المسلحة، لم تتوقف. ففي ذروة الكورونا، كان الجيش التركي يرسل تعزيزات إلى إدلب لمنع سقوطها بيد الجيش السوري، في وقت لم يبادر إلى أي خطوة للتخلص من التنظيمات الإرهابية، وفق ما ينص عليه اتفاق موسكو في الخامس من مارس/آذار الماضي.
لكن المظهر الأكثر بروزاً في سياق المغامرات الخارجية
لأنقرة كان في ليبيا. فقد تحدثت الأنباء عن حركة كثيفة للطائرات العسكرية التركية بين تركيا ومطار معيتيقة في طرابلس الذي تسيطر عليه حكومة فايز السراج المدعومة من جماعات الإخوان المسلمين. وكثّفت تركيا خلال أزمة كورونا من إرسال المزيد من مسلحي ومرتزقة الإرهابيين الموجودين في إدلب إلى ليبيا، للدفاع عن حكومة السراج.
اتخذت تركيا موقفاً منحازاً في شؤون بلد عربي كان يفترض بجامعة الدول العربية أن تقف موقفاً مناسباً وحاسماً في رفض أي تدخل أجنبي، ولا سيما التركي فيه. أقول التركي تحديداً، لأنه أبدى أطماعاً في العودة إلى ليبيا، كونها كانت تقع تحت الاحتلال العثماني، وهو بالتالي يهتم بها من ناحية إيديولوجية وتاريخية بذريعة وجود قبائل من أصل تركي يتوجب حمايتها.
لكن ما لفت الأنظار مؤخراً، ذلك التأييد والدعم من قبل حركة النهضة في تونس، وهي حركة «إخوانية» بامتياز، للتحركات التركية ودعم المرتزقة وقوات السراج لمنع قوات المشير خليفة حفتر من تحرير العاصمة الليبية.
والمسألة هنا لا تتعلق فقط بانتهاز جائحة كورونا لتمرير أغراض استعمارية، بل في تواطؤ حركة النهضة التي يترأسها رئيس البرلمان راشد الغنوشي، ذلك أن تنسيقها مع تركيا في ليبيا يمكن أن يفتح باباً لاضطرابات في تونس، تكون أنقرة أولاً وجماعة الإخوان المسلمين ثانياً، مسؤولة عنها. وهذا لا يشكل تهديداً فقط للأمن القومي التونسي، بل أيضاً لأمن شرق المتوسط. ومن هنا جاء البيان المشترك يوم الاثنين الماضي بين فرنسا واليونان وقبرص اليونانية ومصر والإمارات ليحذر من تحركات تركيا غير القانونية في البحر المتوسط، ومن التدخل العسكري لأنقرة في ليبيا، بما يهدد الاستقرار الإقليمي.