كيف يصعّد ترامب ضغطه على الصين؟.. بقلم:  جورج عيسى

كيف يصعّد ترامب ضغطه على الصين؟.. بقلم: جورج عيسى

تحليل وآراء

الجمعة، ٨ مايو ٢٠٢٠

“يجب علينا أن نسقط المطرقة عليهم (الصينيّين). فليتوقّفوا (في الإدارة) عن كونهم مخنّثين”. هذا ما قاله مسؤول أميركيّ بارز في البيت الأبيض لموقع “فوكس” الأميركيّ، في دلالة إلى غضب متزايد داخل الإدارة من تلكّؤ واشنطن في الردّ على بيجينغ.
على الرغم من أنّ الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب يعدّ رأس حربة في المواجهة السياسيّة مع الصين، يبدو أنّ مساعدين له باتوا أكثر تشدّداً ويستعجلون تصعيد المواجهة معها. هنالك ميل في واشنطن إلى التركيز على فرضيّة أنّ الفيروس تسرّب عن طريق الخطأ في مختبر للفيروسات في ووهان. وزير الخارجيّة مايك بومبيو قال إنّ هنالك “عدداً هائلاً من الأدلّة” على ذلك وتبعه ترامب. نفى المسؤولون عن المختبر هذه الفرضية وانتقد الإعلام الصينيّ بحدّة موقف بومبيو واصفاً إيّاه بـ”الجنون” و “الترّهات” متّهماً إيّاه بـ “نشر فيروس سياسيّ”.
من رفع الحصانة إلى الرسوم
ثمّة مسار يوحي بتقارب غربيّ من موقف موحّد إزاء إدانة الصين حول تعاملها مع الفيروس خلال المرحلة الأولى من تفشّيه. بإمكان واشنطن الاستثمار في هذا التقارب لتعزيز موقفها المتشدّد تجاه بيجينغ. لكنّ الانتقال من الموقف السياسيّ إلى التنفيذيّ قد يكون صعباً على إدارة ترامب، ويمكن أن يصعب أكثر مع ازدياد الضغوط الداخليّة عليه.
تبحث الإدارة في إمكانيّة رفع “الحصانة السيادية” الأمر الذي يمكّن الأفراد والحكومة من مقاضاة بيجينغ. وتمّ اقتراح عدم دفع الفوائد المستحقّة على الديون الأميركيّة للصين والبالغة حوالي تريليون دولار، لكن لم يلقَ ذلك ترحيباً بسبب “قدسيّة الدولار” والالتزامات الأميركيّة، وهو تعبير استخدمه ترامب وأبرز مستشاريه الاقتصاديّين، بحسب “فوكس”. وهنالك أيضاً فكرة فرض رسوم جمركيّة على البضائع الصينيّة. وهذا يعني بطريقة أخرى العودة إلى الحرب التجاريّة.
لعلّ أبرز سؤال هو مدى استعداد ترامب للذهاب بعيداً في هذا الخيار إلى حدّ تدمير المرحلة الأولى من الاتّفاق التجاريّ الذي حمل بصمته. وليس سهلاً الدخول في حرب تجاريّة أثناء مواجهة العالم ركوداً غير مسبوق قد يتحوّل إلى مرحلة كساد شبيهة بتلك التي شهدها سنة 1929. ثمّة مشكلة أخرى تكمن في أنّ فرض رسوم جمركيّة على السلع الصينيّة سترتدّ سلباً على المستهلك الأميركيّ الذي سيكون أوّل من يدفع ثمن ارتفاع الأسعار. وستكون هذه الرسوم جزءاً من استراتيجيّة أميركيّة طويلة المدى تهدف إلى دفع الشركات التي افتتحت فروعاً لها داخل الصين إلى إغلاق أعمالها على أن تعود إلى الولايات المتّحدة أو تباشر استثمارات جديدة في أماكن أخرى.
تتراصف هذه العناصر في ذهن ترامب المنشغل بتأمين ولاية ثانية له. إنّ أقلّ خطأ بالتقدير قد يقلّص حظوظه الرئاسيّة. ثمّة غالبيّة أميركيّة ترى أنّ الصين مسؤولة عن تدهور الأوضاع بسبب “كورونا”. ويرى البعض أنّ هجرة المصانع الأميركيّة إلى الصين دفعت ولايات ديموقراطيّة للتصويت لصالح ترامب. لكنّ العودة إلى فرض الرسوم الجمركيّة ليست سياسة مضمونة في ظلّ ركود اقتصاديّ ومستهلكين أميركيّين بحاجة لشراء السلع بأقلّ الأسعار وسط نسبة متصاعدة من البطالة.
تعويضات… ماذا عن انتفاضة الملاكمين؟
تنتشر أيضاً فكرة جعل الصين تدفع تعويضات عمّا تسبّبت به من أضرار وفقاً لما يطالب به غربيّون. على سبيل المثال، أعلنت صحيفة “بيلد” الألمانيّة الصين بدفع تعويض قيمته 150 مليار يورو لألمانيا. مع أنّها مطروحة في أروقة البيت الأبيض، قد تصطدم هذه الفكرة بصعوبات تنفيذيّة أيضاً.
يرى البعض أنّ السماح للمواطنين الأميركيّين بمقاضاة الصين يفتح الباب واسعاً أمام السماح للصينيّين بخطوات مقابلة إضافة بحيث يصبح هنالك “طوفان” من الدعاوى لا بين واشنطن وبيجينغ وحسب بل بين كل دولة ترى أنّها تتضرّرت من الولايات المتّحدة. أمّا آخرون فعلّقوا بالإشارة إلى أنّه إذا أرادت الولايات المتّحدة فرض عقوبات على الصين فسيتصاعد الشعور القوميّ لدى الشعب الصينيّ من دون ضمان تغيير سلوك القيادة.
وهنالك أيضاً صعوبة في جعل الرئيس شي جينبينغ يدفع التعويضات لأنّ هذه الخطوة تتعلّق بجرح تاريخيّ وفقاً لمديرة “مركز دراسات روسيا أوروبا آسيا” تيريزا فالون. فهي تقول إنّه “من وجهة نظر بيجينغ، هذه الدعوة المعاصرة هي صدى تاريخيّ للتعويضات التي دُفعت بعد انتفاضة الملاكمين” وهي انتفاضة شنّها مزارعون صينيّون مارسوا الفنون القتاليّة ضدّ الأجانب والصينيّين المسيحيّين.
استمرّت الانتفاضة من أواخر 1899 حتى أواسط 1901 وانتهت بهزيمة ساحقة للمنتفضين على أيدي تحالف دوليّ من ثماني قوى: الإمبراطوريّة النمسوية-المجريّة، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، روسيا، المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة. ودفعت الصين تعويضاً ب 330 مليون دولار، سرعان ما أعادته واشنطن بشرط تمويل بناء جامعة في بيجينغ.
بحسب فالون إنّ “استثمار الحزب في سرديّة الإذلال (المرتبطة بنتيجة الانتفاضة) يجعل من المستحيل سياسيّاً أن يقبل شي على الإطلاق بأيّ تعويضات.” لذلك، إنّ توافق الكثير من الدول الغربيّة على جعل الصين تدفع مبالغ ماليّة مقابل تداعيات “كورونا” ستذكّر الصينيّين أكثر بتلك المرحلة وستقابَل بتشدّد أكبر من الحزب الشيوعيّ الصينيّ.
قد لا تتمتّع الولايات المتحدة بالكثير من أدوات التصعيد “العقابيّ” ضدّ الصين. لكن لا يعني ذلك أنّ الأخيرة مرتاحة على الصعيد العالميّ. حصلت “رويترز” على ما تقول إنّه نبذة عن تقرير استخباريّ صينيّ أحاطها به أشخاص مطّلعون عليه تمّ رفعه أوائل الشهر الماضي إلى القيادة الصينيّة. وقال هؤلاء إنّ القيادة، بمن فيها الرئيس الصينيّ، أُطلِعوا على تصاعد النظرة العالميّة السلبيّة إلى بيجينغ بحيث بلغت أعلى نقطة لها منذ أحداث ساحة تيانانمين سنة 1989. وأضافوا أنّ التقرير حضّها على الاستعداد للسيناريو الأسوأ بين القوّتين العالميّتين وهو المواجهة المسلّحة.
“العاصفة المثاليّة”
تنامي هذه الصورة عامل سلبيّ على طموحات الصين في التوسّع غرباً خصوصاً في أوروبا. وعلى الرغم من محدوديّة إمكانات واشنطن في “معاقبة” بيجينغ مباشرة فإنّ إصرار الأولى على الحملة الديبلوماسيّة التي تحمّل الصين مسؤوليّة تفشّي كوفيد-19 يعزّز في تعميق هذه الصورة. إنّ الحرب الإعلاميّة هي أحد أساليب الردّ التي دعا الباحث البارز في الكلّيّة الحربيّة البحريّة جايمس هولمس الإدارة الأميركيّة إلى اتّخاذها تحت عنوان “التقليد هو أصدق شكل من الإطراء” والتي يقصد بها تقليد الصين لجهة سياستها الدعائيّة.
وأضاف هولمس أنّ الطريقة الثانية للردّ على بيجينغ هو تنويع سلاسل التوريد لمنع الصين من “احتجاز” سلع أساسيّة للأميركيّين مشيراً إلى نقل الشركات إلى دول حليفة للأميركيّين يشكّل “مكافأة” لها على ممارستها الأعمال بصورة مشروعة. ودعا أيضاً إلى تعزيز التحالفات العسكريّة لواشطن استعداداً لاحتمال تحويل القيادة الصينيّة الأنظار عن مشاكلها في الداخل باتجاه الخارج.
الآن، تبدو الإدارة الأميركيّة أقرب إلى تنويع سلاسل التوريد وحضّ شركاتها على الانتقال إلى دول أخرى، عبر تحفيزات ضريبيّة أو دعم مادّيّ. وثمّة دراسة لحظر الصادرات الدوليّة للرقائق الإلكترونيّة إلى شركة “هواوي”. وإعداد الدراسات على الردود المحتملة لا يزال يجري باطّراد. في تقرير آخر أعدّته “رويترز” يقول أحد المسؤولين الأميركيّين : “هذه اللحظة هي العاصفة المثاليّة. لقد بلور الوباء جميع المخاوف التي كانت لدى الناس إزاء التعامل مع الصين. جميع الأموال التي ظنّ الناس أنّهم كسبوها من خلال الاتفاقيات مع الصين في السابق، تعرّضت للحجب بأضعاف عدّة بسبب الضرر الاقتصاديّ.”
هل تكون هذه الخطوات أولى تباشير العاصفة المقبلة بين الصين والولايات المتّحدة؟ أم أنّ الدولتين قادرتان على تخفيف التوتّرات وجعلها مجرّد غيمة صيف عابرة في العلاقات الثنائيّة؟ حتى الآن، ترجّح المؤشّرات الاحتمال الأوّل.