كورونا وتداعيات الحقبة الترامبية.. بقلم: جون هاريس

كورونا وتداعيات الحقبة الترامبية.. بقلم: جون هاريس

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٩ أبريل ٢٠٢٠

 بالنسبة لمعظمنا سريعاً ما قد تنحسر بعد ستة أشهر أو أقل ربما أزمة فيروس كورونا في عقولنا لتغدو أشبه بلحظة هلوسة لا أكثر. قد تبدو كما إعصار أجبر الجميع على الاختباء والنظر إلى الخارج. أو قد تظهر أشبه بإعصار قوي فعلي ضرب العالم، ولكن حتى حينها، فإن معظم الناس ووفقاً للطبيعة البشرية سينظفون الفوضى ويمضون قدماً.
ولكن وبمعزل عن كيف سيمرّ وباء كورونا أو مدى سرعته فإن أسابيع الالتزام بالحجر المنزلي تتفتق على الأرجح عن حقبة جديدة في السياسة. سببان وجيهان يدعوان للاعتقاد بأن الصدى السياسي لهذه الأزمة سيدوم أطول من الأزمة نفسها.
يتمثل السبب الأول في أن غالبية الناس الذين شوه الوباء توقعاتهم ومسارهم الروتيني هم من الطلاب. ذاك الانقطاع، في بعض الأحيان الخسارات التي لا تعوّض في تجارب مهمة في حقل التعليم في ظل خلو القاعات وإلغاء المناسبات سوف يحددان شكل الوعي بشكل مستدام لدى هؤلاء أكثر من بقيتنا.
كما في غالبية الكوارث، فإن خبث عواقب الوباء ستقع بمعظمها وبقوة فوق رؤوس الأقلية من الفئات المحرومة، وخلافاً لغالبية الكوارث فإن الأثمان ستتكفل بدفعها أيضاً بعض الفئات الأكثر يسراً.
وعلى صعيد أكثر عمقاً، فإن ديناميات لحظة فيروس كورونا ستشبه على الأرجح ديناميات قضايا سياسية عظمى عامة أخرى تلقي بظلالها على الجيل المقبل. تحديداً، إن الوباء العالمي والخيارات الصعبة التي يفرضها يطرح الخيارات ذاتها التي تفرضها الاستجابة لتغير المناخ العالمي في العقود القادمة.
على غرار فيروس كورونا، فإن تغير المناخ يعد مشكلةً لا تكمن علاجاتها فقط في ميدان الخبراء بل أولاً في مملكة القيم المجتمعية. وتتضمن تلك العلاجات التكاليف الملموسة والمباشرة للمنافع المجرّدة وغير القابلة للتخمين.
وإن فيروس كورونا يشبه أزمة تغير المناخ من حيث مناعته أمام الحدود الوطنية. إحدى طرق قياس قوة تلك التيارات، أو الأزمة التي تتغذى على التخويف بالعلم، تكمن في مراقبة التغيرات الطارئة على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وليس هناك من وسيلة للتأكد ما الذي تعنيه أزمة فيروس كورونا بالنسبة لإعادة انتخابه. ولكن يبدو واضحاً ما تعنيه بالنسبة للحقبة «الترامبية» التي سبق أن دخلت في وضعية التقهقر.
والحقبة الترامبية فكرة تعنى بتعزيز وحماية السيادة والتفرّد الأمريكيين. وهذا مبدأ قد يوافق أخصام ترامب في بعض السياقات أنه جذاب ولافت. ولكن الطريقة الوحيدة التي يعد فيها فاعلاً كانت لتتجلى في اختيار أمريكا قبل سنوات مضت رفض الاقتصاد العالمي الحديث المتصل.
فيروس كورونا ظهر أولاً في الصين، صحيح. ولكن كم من الناس ستتفاجأ بأن تعرف بأنه في الأسابيع القليلة الماضية فقط، كانت كافة المضادات الحيوية الأمريكية تقريباً تأتي من الصين.
في الأيام القليلة الماضية فقط ومع تصاعد إمكان تفشي المرض أقر ترامب بحالة الغموض، بالطبيعة الهشة لفهمنا مدى انتشار رقعة الفيروس وكيف ستكون عليه فعالية مساعينا لإبطال مفاعيله، أو متى ستبرهن تلك المساعي على كفايتها.
لا يتسم وباء كورونا عن بعد بوهل صدمة جائحة أحداث 11 سبتمبر أو عنفها، غير أنه بالنسبة لكثيرين فإن التأثير الفعلي اليومي للفيروس سيكون أكثر تغلغلاً وانتشاراً. وقد تلت فترة أحداث سبتمبر فترة تبيّن أنها قصيرة الأمد على مستوى التواصل الوطني والتآلف. وترامب الذي جعل من الهزء بأعدائه ومعاقبتهم إحدى خصاله الراسخة، فإنه حتماً لم يتمكن من شحذ العواطف الجياشة في أوساط عدة باستمالته من البيض مؤخراً بقول «إننا في هذا المركب جميعاً».
غير أن للوباء منطقاً يتخطى السياسة والمشاعر الشخصية، وبغض النظر عما يشعر به المرء حيال ترامب، وبمعزل عن مشاعرنا تجاه بعضنا البعض فإن حقيقة خطورة الفيروس تكمن في أنها تضعنا جميعاً في المركب عينه.