وباء «كوفيد 19» هل يغيّر المشهد العالمي؟.. بقلم: أمل عبد الله الهدابي

وباء «كوفيد 19» هل يغيّر المشهد العالمي؟.. بقلم: أمل عبد الله الهدابي

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٤ أبريل ٢٠٢٠

بينما يكثف العالم جهوده لوقف الانتشار الخطير لوباء «كورونا» المستجد «كوفيد 19»، تشهد الساحة العالمية نقاشات سياسية وفكرية حول تأثير هذا الوباء على النظام العالمي القائم.
حيث بدأ كثير من المفكرين ومراكز الأبحاث والدراسات في طرح تصوراتهم حول عالم ما بعد «كورونا»، وتنوعت الآراء التي طرحت في هذا السياق بين من يقول بأن الوباء سيخلق نظاماً عالمياً جديداً تلعب فيه الصين الدور الأبرز وتحتل موقع القيادة، بعدما أظهرت قدرة على التعاون مع الدول الأخرى وكفاءة عالية في مواجهة الوباء، على عكس القوى الغربية التي عانت ولا تزال تعاني من الوباء الذي كشف تهالك بناها التحتية في مجال الرعاية الصحية.
ومن يقول إن التأثيرات الكارثية للوباء على الإنسانية ستدفع باتجاه خلق نظام عالمي جديد أكثر تعاوناً بين القوى الكبرى بعد أن أثبت الوباء عجزها جميعاً عن مواجهته وفشلها منفردة في تقليل وطأة تأثيراته الكبيرة عليها، ومن يقول إن التعاون العالمي والعولمة سيكونان الضحايا الرئيسيين لهذا الوباء.
هذه التنبؤات والتصورات حول مصير النظام العالمي بعد انتهاء وباء «كورونا» تكشف عن أمرين مهمين، الأول، أن التأثيرات التي خلفها، وسيخلفها، هذا الوباء العالمي هو من الخطورة والجسامة بحيث إنه سيعيد تشكيل المشهد العالمي برمته.
فالخسائر البشرية الضخمة التي خلّفها الوباء والتي تعد الأكبر منذ أزمة وباء الإنفلونزا الإسبانية في عشرينيات القرن الماضي، مع إصابات تجاوزت المليونين و650 ألف حالة، ووفيات بشرية تجاوزت 184 ألفاً، وأغلبها في دول متقدمة ومتطورة علمياً وطبياً.
هذا ناهيك عن التداعيات الاقتصادية الكبيرة التي تؤكد المؤسسات الاقتصادية الدولية أنها ستتجاوز بمراحل الخسائر الاقتصادية التي خلفتها الأزمة المالية العالمية في عام 2008. وهذا يعني أننا إزاء تغير حدث أو تطور مفصلي في التاريخ البشري الحديث.
الأمر الثاني، أن هذه التباينات في الأفكار بشأن مستقبل النظام العالمي تعكس حالة عدم اليقين بشأن المدى الزمني لاستمرار تفشي هذا الوباء، والنتائج النهائية التي يمكن أن تترتب عليه.
فقد يتمكن العالم من تجاوز هذه الأزمة خلال الأسابيع القادمة سواء من خلال الإجراءات الاحترازية التي تطبقها مختلف دول العالم لمحاصرة الوباء، أو من خلال اكتشاف دواء فاعل لعلاج المصابين وتحصين الأصحاء منه، ولاسيما أن هناك بعض العلاجات التي أثبتت فاعليتها، وفي هذه الحالة فإن الخسائر العالمية قد يتم تحجيمها بصورة كبيرة، وبالتالي يمكن تفادي حدوث تغييرات كبيرة في العالم.
ولكن في حال استمر الوباء لفترة طويلة فإن تأثيراته ستكون أشد وطأة على العالم، ما قد يترتب عليه بالفعل تغيرات جوهرية في المشهد العالمي برمته.
ما حدث حتى اليوم من تأثيرات كارثية على المستويات الإنسانية والاقتصادية في العالم كله يؤكد أن عالم ما بعد «كورونا» لن يكون مثل ما قبله، فالأزمة أثبتت أن الأمن الصحي العالمي لا يقل أهمية عن الأمن العسكري، وبالتالي فإن دول العالم المختلفة حتماً ستوجّه مزيداً من الموارد نحو تطوير قطاعها الصحي.
كما أثبتت الأزمة أيضاً أن هناك قطاعات حيوية يجب أن تحقق فيها الدول الاكتفاء الذاتي مثل الغذاء والدواء، لأنه في أوقات أزمات كهذه قد تنقطع الواردات بشكل يهدد هذه الدول بكوارث إنسانية. والأهم من كل ذلك أن الأزمة أثبتت أن التعاون العالمي في مواجهة الأوبئة مهم وضروري وحاسم، بعد أن أظهرت الأزمة عدم قدرة أي دولة منفردة حتى لو كانت قوة عظمى على مواجهة الأزمات العالمية منفردة.
ولكن يبقى تساؤل مهم: هل تنجح النتائج الكارثية لهذا الوباء في خلق نظام عالمي تعاوني؟ الإجابة غالباً بالنفي، فمصالح القوى الكبرى دائماً متنافسة ومتصارعة، وبمجرد انتهاء الوباء ستعود هذه السياسات إلى طبيعتها الصراعية والتنافسية، بل إنها قد تشتد بالنظر إلى سعي كل دولة لإثبات قوتها ومكانتها في النظام العالم في مرحلة ما بعد «كورونا» سواء استمر بهيكله الحالي أو تغيرت قواعد اللعبة وموازين القوى الرئيسية.