بن سلمان والتيه في الطوفان.. بقلم: أحمد المقدادي

بن سلمان والتيه في الطوفان.. بقلم: أحمد المقدادي

تحليل وآراء

الأحد، ١٩ أبريل ٢٠٢٠

تمر المملكة العربية السعودية بمرحلة ربما من اصعب مراحل تاريخها بسبب تولي ما يعرف بالعهد السلماني مع وصول سلمان بن عبد العزيز الى عرش مملكة النفط الوفير قبل أكثر من 5 سنوات. وتأتي صعوبة هذه المرحلة بسبب عدة متغيرات على المستويين الداخلي والدولي، وتصدر الامير الشاب محمد بن سلمان للقرار السعودي رغم قلة خبرته، مبعدا -ترغيبا او ترهيبا- من هو أولى منه بولاية العهد حسبما تعارف عليه آل سعود.
الامير الشاب محمد بن سلمان وفي فترة قياسية استطاع ان يزيح اثنين من طريقه الى ولاية العهد هما ابن عمه الامير محمد بن نايف رجل الامن الاول في المملكة وعمه احمد بن عبد العزيز الذي شغل أيضا منصب وزير الداخلية لفترة قصيرة واشيع عنه انه ضعيف الشخصية والارادة. كما عمد بن سلمان الى قلب اتفاق ال سعود مع ال الشيخ بتقاسم سلطتي السياسة والدين بينهما، واجرى تغييرات جذرية همشت ال الشيخ كثيرا وتواروا عن السلطة الدينية وما الفوه من نفوذ قوي لا يُجارى.
لكن الخطأ الاكبر الذي ارتكبه بن سلمان كان قرار الحرب على اليمن وظنه واهما ان اليمن سيستسلم في اشهر او اسابيع لنفوذ مملكة النفط وما تشتريه من ذمم مشايخ وزعامات يمنية، لكن تقييمه الخاطئ لتيار انصار الله الذي خبره السعوديون في ميادين القتال من قبل ولكن ما جربوه في ميدان السياسة، فأخذهم على حين غرة وكسر غرورهم وتكبرهم على جيرانهم اليمنيين وصارت مدن المملكة مهددة ومطاراتها غير آمنة وتعيش رعب الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية في حرب كان المال والسلاح والدعم الغربي يقف لجانب المعتدي ضد المعتدى عليه.
ومر اكثر من خمس سنوات على حرب شنها الامير الشاب ودعمه فيها امير آخر هو ولي عهد ابو ظبي الإمارات محمد بن زايد على اليمن ولكن دون جدوى ودون تحقق اي من الاهداف المعلنة لهذه الحرب الظالمة ضد الشعب اليمني، فحكومة المستقيل عبدربه منصور هادي لم تعد الى صنعاء بل اصبحت دمية يحركها بن سلمان ويجعل منها اضحوكة بتابعيتها العمياء له وارتزاقها على دعمه له بينما الامير الآخر، محمد بن زايد يدوس على كرامة حكومة هادي بدعمه الجنوبيين ضده حتى طردوها من عدة مدن جنوبية.
ولم تحظ حدود السعودية الجنوبية بالأمن كما تمنى بن سلمان بل باتت مطارات في العمق السعودي تشكو وجع المسيرات والصواريخ، وبات الكل يشكك في تيه بن سلمان في هذه الحرب التي أشعل نيرانها دون رؤية ودون أفق بل لاشباع نزوة امير مدلل اراد ان ينتقم من جاره اليمني الذي ظن هو واجداده ان ولاء هذا الجار وسيادته وكرامته قابلة للبيع بدولارات النفط.
ومع غياب الرؤية والافق باي انتصار في حرب اليمن، ومع الانكسار الواضح لحكومة عبدربه منصور هادي، ومع تزايد الاختلافات بين التحرك السعودي والاماراتي على الارض اليمنية بشكل غريب ومريب، ومع منعة وقوة واصرار اليمنيين على الدفاع عن بلدهم وحقوقهم وكرامتهم، يكون من المنطق ان يفكر بن سلمان في استراتيجية خروج من حرب انهكت الموارد المالية لمملكة النفط، ومرغت غرورها بالتراب، وفضحت تمادي المملكة في سفك الدم اليمني كشعب مسلم وهو ما يقوض جهودها لمحاولة فرض نفسها كدولة قيادية في العالم الاسلامي وتتراجع لصالح غريمها التركي.
وعلى هذا، يكون المقترح الذي قدمته صنعاء لإعلان الهدنة ورفع الحصار والسعي لإرساء السلام في اليمن في وقت يواجه العالم اجمع وباء كورونا، هو طوق النجاة الذي يفترض بابن سلمان التمسك به ليمثل مبررا لاستراتيجية خروجه من حرب اليمن بشكل يحفظ له بعض ماء الوجه الذي اريق هدرا وراء نزوة تكبر وغرور ووهم كبير في الحسابات.
لكن الاصرار السعودي ومعه الاماراتي بالبقاء عابثين في اليمن قتالا واقتتالا، يبعث على الحيرة والغرابة، خاصة وان الحليفين يمرغان حكومة هادي بالتراب ويدوسان كل يوم على كرامتها، وجعلاها باعين اليمنيين حكومة مرتزقة وعميلة، الامر الذي يكشف عن نية سعودية امارتية أبعد من اعادة حكومة مستقيلة وفارة او تأمين حدود جنوبية وانما تروم تدمير اليمن ارضا وشعبا ووحدة واستقلالا وتحويله الى بلد اقتتال تشغله جروحه الداخلية عن اية ممانعة او مقاومة ضد الاطماع السعودية والامارتية في المنطقة وتقزيم القوة البشرية اليمنية وما تحظى به من موقع استراتيجي باطلاله على البحر الأحمر وبحر العرب وعلى مضيق باب المندب وما يمثله من مشروع استراتيجي لنقل النفط السعودي والاماراتي برا دون المرور بمضيق هرمز.
وهنا لا بد لليمنيين جميعا اليقظة لهذا المخطط السعودي الاماراتي لتفتيت اليمن واضعافه واغراقه بحروب داخلية، بالتوحد بوجه نزوات الاميرين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وبالإصرار على الدفاع عن وحدة اليمن وكرامته ودعم انصار الله وحكومة صنعاء في جهودها بعدم الاستسلام لإرادة التدمير السعودية والحفاظ على كرامة اليمن واليمنيين وابقاء بن سلمان تائها في طوفانه الذي لعله يغرقه قبل غيره.