«كورونا» ما بين الصين وإيطاليا.. بقلم: أحمد النصيرات

«كورونا» ما بين الصين وإيطاليا.. بقلم: أحمد النصيرات

تحليل وآراء

الجمعة، ١٠ أبريل ٢٠٢٠

يقولون: «كل مصيبة لا تقتلني، تزيدني شدّة»، ويقول المثل الشعبي: «المصيبة بتجمع».. وقد جمعت المصيبة كل شعوب العالم في غضون شهور قليلة، لنجد أنفسنا أمام تحدٍّ غير مسبوق، هو تحدي نجاة الجنس البشري!.
للأسف، منذ أن انتشر فيروس كورونا على نطاق عالمي، وأخذ يطوّر نفسه لينفلت من زمام السيطرة، ويعجز البشر عن إيجاد علاج فعّال له، أصبح الخوف قائماً من تحوّله إلى سلاح إبادة جماعية للجنس البشري، وكما نرى اليوم، أصبح كل البشر عرضةً للإصابة، وأصبحت النجاة بالبشرية هاجساً بعد أن أثبتت الأنظمة الصحية العالمية عجزها عن مواجهة كائن لا يرى بالعين المجرّدة، بل أثبتت أنها كيانات من كرتون ضعيف أمام هذا الكائن!.
إمبراطوريات عظمى تقزّمت أمام هذا الوباء، ووقفت حائرة وضعيفة وعاجزة، واتحادات دولية كبرى تخلّت عن أعضائها لتتركهم في مهبّ الريح يواجهون قدرهم المحتوم بعجز وشلل، كما فعل الاتحاد الأوروبي الذي لم يستطع تقديم المساعدة لأعضائه، فلجأوا إلى الصين لتقديم المساعدة لهم، بعد تجربتها الناجحة مع هذا الوباء.
لطالما تفنّن المتخوّفون من نهاية العالم في رسم سيناريوهات متنوعة لهذه النهاية: كوارث طبيعية، نيزك عملاق، حرب نووية، وفيروسات مصنّعة مخبرياً.. وعلى ما يبدو فإنّ سيناريو الفيروس قد أخذ اليوم مجده وبدأ يتمدّد بحرّية ويقفز من دولة إلى أخرى، مجتاحاً كرتنا الأرضية مثل تسونامي عملاق لا يقف في وجهه سدّ أو حاجز. وسواء أكان كورونا جزءاً من حرب بيولوجية، وفيروساً تمّ إنتاجه في مخابر دولة ما لأهداف سياسية أو اقتصادية، أو كان فيروساً نتج بشكل طبيعي من احتكاك البشر بالحيوانات عن طريق الطعام كما بدا في الوهلة الأولى، فإنّنا أمام واقع يستدعي التصرّف بسرعة وحكمة لتلافي النتائج الكارثية المتوقعة.
وقد استطاعت بعض الدول اتخاذ الإجراءات المناسبة والتعلّم من تجارب الدول التي ابتليت بالوباء قبلها، لكي تحدّ من انتشاره بالشكل الذي يجعل السيطرة عليه ممكنة، وهذا ما جعل العالم يتوقف عن الحياة تقريباً خلال الأسابيع القليلة الماضية، في إجراء يمنع التجمّعات من كلّ الأنواع، ويحثّ الناس على البقاء في منازلهم خلال الأسبوعين الحاسمين للسيطرة على الوباء.
فالوقاية حالياً هي العلاج الأنجع، وما يحدث في إيطاليا يثبت أن الاستهتار له نتائج وخيمة، على العكس مما حصل في الصين، بؤرة الفيروس الأولى، التي استطاعت النجاح في السيطرة عليه بفضل وعي الناس والتزامهم بأوامر السلطات الصحية، والإجراءات الصارمة ومنع الاختلاط بين الناس، والسماح بخروج قلّة قليلة من الأشخاص غير المصابين لتأمين حاجيات الأسر. بين إيطاليا والصين تغيّرت مقولات تاريخية لطالما كان لها كبير الأثر على الناس، فلم تعد كل الطرق تؤدّي إلى روما، وما زلنا نطلب العلم من الصين التي أثبتت جدارتها وقوّتها العلمية، إلا أن طريقة طلب العلم تغيّرت، ولربما ستصبح عن بعد وباستخدام شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة، لأنّ كل شيء تغيّر بعد هذه الكارثة الصحية.
وبين إيطاليا والصين تتأرجح كفّتا ميزان العالم، فإمّا نقع في هوّة الوباء وتصبح آلاف الأرواح عرضة للهدر كلّ يوم، وإمّا ننجح في الانتصار على هذا الوباء وننتقل إلى مرحلة الإعداد لما بعده.
تجربة الصين كانت رائدة في إدارة الأزمة، ومن الجميل أن نستفيد منها ونأخذ العبر ونتعلّم الدروس، فقد عمل الصينيون على جميع الجبهات لمواجهة الكارثة، ومن ذلك أنّهم سخّروا الذكاء الاصطناعي ليكون جزءاً من حلّ الأزمة، فألزموا الناس بتطبيقات ذكية عبر هواتفهم النقّالة، تصنّفهم إلى فئات (مصاب، حامل للفيروس، سليم) حسب الأعراض التي لديهم، وتحدّد أماكنهم وأوقات خروجهم من منازلهم والخطّ الزمني لاحتكاكهم مع الآخرين من أجل السيطرة على انتشار الفيروس.
كان لديهم أيضاً خوذ ذكية لتحديد درجة حرارة الناس عن بعد، وطائرات مسيّرة لتقديم الإرشادات وإيصال أوامر السلطات الصحية للناس، كما استخدموا الروبوتات في الأعمال التي تستدعي احتكاكاً مع المصابين، مثل إيصال الطعام لهم، أو أعمال التعقيم، وغير ذلك.
تجربة الصين التي تبدو أنها في طريقها للخروج من الأزمة، تضعنا أمام مفترق طرق للأيام القادمة، لكي نعرف أين سنمضي، وأي طريق سنسلك لمواجهة الوباء أولاً، والتغلب عليه ثانياً، ومن ثمّ؛ الاستعداد لأيّ كارثة مستقبلية. لم نعد بحاجة للتساؤل إن كنّا في أمان من كارثة مدمّرة أم لا، لأنّ الواقع أثبت أننا -كبشر- عرضة للفناء في غضون أشهر قليلة، وهذا الأمر يضعنا أمام تحدّي الجهوزية لمواجهة مثل هذه الكارثة في المستقبل، فكيف نفعل ذلك؟!.. وما الدروس التي تعلّمناها من كورونا؟!.. هذا ما سأطرحه بإذن الله في المقال القادم.