أسئلة «كورونا».. بقلم: د. منار الشوربجي

أسئلة «كورونا».. بقلم: د. منار الشوربجي

تحليل وآراء

السبت، ٢٨ مارس ٢٠٢٠

أسئلة عالمية كبرى ومتعددة يطرحها تفشي فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» حول العالم. وهي أسئلة ستظل البشرية في حاجة للإجابة عنها. ومفارقتان برزتا مع متابعة الكارثة.
أول تلك الأسئلة يتعلق بفيروس كورونا نفسه، بعدما اعتبرته منظمة الصحة العالمية «جائحة عالمية». فقد ثبت أن التطور العلمي والتكنولوجي المذهل الذي شهده العالم طوال القرنين العشرين والواحد والعشرين، لم يكن معناه مطلقاً أن البشرية نجحت في فهم طبيعة الأوبئة ولا كيفية مواجهتها. كان ذلك واضحاً في حالات مثل «إيبولا» و«سارس».
لكن دول العالم لم تنتبه لأهمية توجيه نسبة من الأموال عامة للبحوث الموجهة لذلك الغرض، إذ يظل أمام العلماء الكثير لاكتشافه حول كيفية محاصرة مثل تلك الأوبئة. والسؤال هل تعي دول العالم الدرس هذه المرة؟
سؤال ثان يتعلق بلغز اليابان، حيث تظل من أقل دول العالم المتقدم في اتخاذ إجراءات احترازية، ومع ذلك تظل من أقلها تعرضاً للفيروس. والعلماء يعكفون اليوم على البحث عن حل لذلك السؤال اللغز.
السؤال الثالث يتعلق بأوروبا التي صارت الأكثر إصابة بالفيروس اليوم. وهو سؤال يتعلق بمستقبل الاتحاد الأوروبي. فرغم أن قوانين الاتحاد تسمح للدولة بأن تغلق حدودها في حالات الطوارئ، عبر قرار أوروبي أو على الأقل بين الدولتين المتجاورتين، فإن ما حدث كان بمثابة قرار اتخذته كل دولة بمفردها دون الرجوع للاتحاد.
وقد بررت تلك الدول موقفها عبر اتهام الاتحاد الأوروبي بالبطء الشديد في اتخاذ القرار، بما لا يتناسب مع حجم الكارثة الصحية العالمية، بينما أكدت بعض تلك الدول على ضرورة التعاون لمواجهة الوباء دون أن يعني ذلك عجزها عن تفعيل سيادتها على حدودها الدولية. وقد كان واضحاً تماماً أن كل دولة عضو بالاتحاد وضعت ديمقراطيتها قبل عضويتها.
فألمانيا، على سبيل المثال، والتي اعتبرت تحت حكم ميركل الدولة الأوروبية القائد وأهم المدافعين عن الاتحاد الأوروبي، جعلت الأولوية لرأي الناخب الألماني الذي سوف يحاسب المسؤولين حال اتهامهم بعدم اتخاذ القرارات الناجعة في الوقت المناسب.
وأزمة الركود العالمي المتوقعة بسبب كورونا، سوف تطرح بآثارها بالضرورة على اليورو، كعملة أوروبية موحدة. وهو ما يطرح أيضاً السؤال حول قدرة البنك المركزي الأوروبي على التعامل مع تلك الأزمة، التي تستدعي تدخلاً مختلفاً بالضرورة عما جرى خلال الأزمة المالية العقد الماضي.
والسؤال الذي لا يقل أهمية يتعلق بهيكل الاقتصاد العالمي المبني على أفكار النيوليبرالية. فقد تراجعت دول مثل إسبانيا، ولو بشكل مؤقت، عن خصخصة القطاع الصحي.
حيث فرضت الدولة سيطرتها على المؤسسات والشركات الخاصة العاملة في ذلك القطاع، بينما أعلن وزير المالية الفرنسي أن «التأميم» وارد إذا لزم الأمر. والسؤال، هل سيعيد العالم النظر في ذلك النموذج للاقتصاد العالمي، بعد تجاوز كارثة كورونا، أم ستظل تلك الإجراءات مرحلة استثنائية؟
وهناك سؤال يتعلق بالذين خرجوا من بلادهم هرباً من جحيم الفقر أو الحرب. ولئن تطلبت كارثة كورونا حظر التجمعات البشرية الكبيرة، يبقى السؤال عما إذا كان العالم سيعيد النظر في أوضاع اللاجئين الذين يتكدسون بالآلاف في معسكرات في ظروف صحية بائسة؟
وبخصوص المفارقتين، فأولاهما أن إغلاق الحدود لعزل البشر هو ذاته قد أبرز ترابط البشرية. فالانعزال الاختياري لا ينفي الحاجة للانفتاح الإجباري لحظة التوصل لعلاج. فالأوبئة تحديداً لا يجوز معها ترك القرار لشركات الأدوية العملاقة لتحدد من يحصل على العلاج.
والعزلة داخل الحدود تبرز أهمية التكاتف داخلها، بما يعني زيف مقولة مارجريت تاتشر الشهيرة التي زعمت فيها أنه «لا يوجد شيء اسمه المجتمع».
أما المفارقة الثانية، فتتعلق بقدرة العنصرية على الازدهار حتى في وجه الكوارث العالمية.
فمع بدء الكارثة، تم تحويل الشعب الصيني لعدو، والتعامل مع كل مواطن صيني على أنه بالضرورة مصاب بالفيروس، ثم اعتبرت الصين موطن نشأة الفيروس دون دليل علمي. كل ذلك لا علاقة له بفيروس كورونا وإنما بفيروس آخر لا يقل شراسة وتفشياً حول العالم، هو فيروس العنصرية البغيضة.
* كاتبة مصرية