اليوبيل الماسي أنقذني من «كورونا».. بقلم: جمال الكشكي

اليوبيل الماسي أنقذني من «كورونا».. بقلم: جمال الكشكي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٤ مارس ٢٠٢٠

كلما حاولت الكتابة بعيداً عن (الكورونا)، أجدني محاصراً بكل أخباره، فلا حديث بين سكان العالم سواه، منذ أن استيقظ من النوم، أسرع مهرولاً نحو قراءة أحدث الأخبار حول المصابين أو المعزولين أو الوفيات حول العالم.
أركب السيارة ذاهباً إلى العمل، أدير مؤشر الإذاعة لكي أواصل سماع النشرات لمتابعة أخبار (كورونا)، أصل إلى مكتبي أطالع الصحف، تصدمني مانشيتات الخسائر الناجمة عن «كورونا»، أتلقى مكالمات من زملاء وأصدقاء وأقارب، أجدها تنتهي دائماً بنصائح حول ضرورة الحيطة والحذر من عدوي (كورونا). أستقبل ضيوفي بدون مصافحة، وأعتذر بسبب (كورونا). كل شيء حتى «الأنفاس» في حياتنا صارت تحت تصرف (كورونا).
حاولت كسر هذا الحصار البائس، وأتجاهل الكتابة حول (كورونا). بحثت عن فكرة تنقذني من أجواء هذا العالم (الكوروني)، توقف قلمي عند يوم 22 مارس، تاريخ الذكرى الماسية لتأسيس جامعة الدول العربية عام 1945.
خمسة وسبعون عاما مضت على تأسيس بيت العرب، في توقيت كان فارقاً في إعادة رسم خريطة العالم، تداعيات الحرب العالمية الثانية تلقي بظلالها. صراعات نفوذ وسيطرة بين القوى الدولية.
العالم كان يتغير، وبالطبع العالم العربي جزء من عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، جامعة الدول العربية جاءت كمشروع يعبر عن أحلام جماعية، فهي منظمة إقليمية تضم دولاً عربية في آسيا وإفريقيا، ينص ميثاقها على التنسيق بين الدول الأعضاء في مختلف القضايا والمجالات.
خمسة وسبعون عاماً هي عمر الجامعة. لم تكن أبداً مراحل عادية، فقد شهدت تحولات كبرى، ومصاعب جمة، وقرارات مصيرية، ما إن تتجاوز أزمة، إلا وسرعان ما تواجه أخرى أكثر تعقيداً.
لسان حال العرب لم يتوقف عن الكلام، ربما يصمت قليلاً، لكن الصمت في أحيان كثيرة، يكون أبلغ من حسابات الكلام السياسي.
في مسيرة الجامعة. محطات لا يمكن إغفالها، شكلت عبئاً وتحدياً كبيرين أمامها، فلا تزال قضية العرب المركزية «القضية الفلسطينية»، الشغل الشاغل للجامعة، ولا يفوتنا هنا ذكر القمة التاريخية الشهيرة التي عقدت بالخرطوم عام 1969، ورفعت شعارها «اللاءات الثلاثة».. «لا سلام، لا تفاوض، لا اعتراف»، أيضا كانت قضية احتلال العراق للكويت عام 1990 بمثابة جرح غائر في وجدان الجامعة العربية، عملت على تضميده بكل ما تملك.
أيضا واحد من الهموم الكبرى التي واجهت الجامعة، هو الاحتلال الأمريكي العسكري المباشر للعراق عام 2003، أما التحدي الأكبر الذي يظل مستمراً أمام الجامعة، فهو الخطر الإسرائيلي وأطماعه في المنطقة، بدءاً من قضية فلسطين، مروراً باجتياح جنوب لبنان عام 1982، وصولاً إلي تهديداته عبر خطة الرئيس الأمريكي ترامب التي أطلق عليها «صفقة القرن».
وسط كل هذه الأنواء التي اعترضت الطريق منذ تأسيسها، لم تسلم الجامعة من ظهور «دويلات» خرجت عن الإجماع العربي، وغردت بعيداً عن سرب الدولة الوطنية والحفاظ على استقرار المنطقة.
أيضا يمثل العدوان الصارخ على سوريا واليمن وليبيا أبشع الكوارث التي مرت بها المنطقة العربية خلال العقود السبعة الأخيرة في مسيرة الجامعة.
الآن في الذكرى الماسية لتأسيس الجامعة، على الدول الأعضاء الاستفادة من تجارب الماضي، لتعميق وتعظيم أدوار كبرى للجامعة في المستقبل، وذلك من خلال إجراء تحديث لبنود ميثاق الجامعة الذي لم يعد مواكباً للتغيرات العصرية، وذلك بما يسمح للجامعة بالمرونة وحرية الحركة، واتخاذ قرارات فاصلة في القضايا التي تهم الرأي العام العربي، وتمكينها من مساحات أوسع في مواجهة المخاطر التي تهدد سيادة الشعوب والدول، هذا فضلاً عن ضرورة تعظيم صلاحيات واختصاصات الأمين العام للجامعة، بحيث تكون لديه حركة أوسع فيما يصدر عنه من قرارات.
إلى ذلك يجب تركيز الجامعة على خلق أنشطة اقتصادية للنهوض بالعلاقات العربية - العربية، وخلق مناخ استثماري غير تقليدي، واقتراح مشروعات عابرة للحدود يستفيد منها المواطن العربي، مثل مشروع الربط الكهربائي والسكك الحديدية والطرق، أما الاقتراح المهم أيضا فهو ضرورة تنفيذ اقتراح الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2015، بتشكيل «قوة عربية مشتركة» لمواجهة الإرهاب الذي يهدد الأمن القومي العربي.