«كورونا» بينَ المعركة الاقتصادية والحرب البيولوجية.. لا وقتَ لتقاذفِ الاتهامات!

«كورونا» بينَ المعركة الاقتصادية والحرب البيولوجية.. لا وقتَ لتقاذفِ الاتهامات!

تحليل وآراء

الأحد، ١٥ مارس ٢٠٢٠

في الأحدِ الأخير من العام 2004 كانَ كلُّ شيءٍ طبيعياً على السواحلِ الاندونيسية المُطلّة على المحيط الهندي، فجأة ومن دون سابقِ إنذار حدث الزلزال الكارثي الذي ما زال يوصف بأنه أحد أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ البشرية، إن كان لقوتهِ التي قُدرت بانفجارِ أكثر من مئةِ مليار طن من مادة «تي إن تي»، أو لجهةِ ما خلّفهُ من تسونامي مدمّر تسبب بسقوط مئات الآلاف من الضحايا في أكثرَ من دولة، ليتركَ هذا الحدَث البابَ مشرَّعاً على الكثيرِ من التساؤلات المنطقية، لعلَ أهمها:
هل إن ما حدث نتجَ عن تجربةٍ نووية أميركية جرت في أعماق المحيط الهندي أم إن ما جرى كان غضبَ الطبيعة لا أكثر؟
ببساطةٍ لم تذهب يومها نتائج التحليلات بعيداً حول ترجيح إحدى الكفتين بشكلٍ نهائي و بمعنى آخر: هناك من رجّح جزئياً فرضيةَ غضب الطبيعة كي لا يُغضبَ الشيطان الأكبر.
ما أشبهَ اليومَ بالأَمس، فمنذُ الأسبوع الأخير من العام 2019 وإعلان الصين اكتشافَ بؤرة فيروس كورونا في إقليم ووهان، بات الحديث عن هذا الفيروس والخطر الذي يُهدِّد البشريةَ جمعاء مادة متكررة على جميعِ وسائلِ الإعلام. بداية تفشي الفيروس وإن بدَت فرصة لدى البعض لتصفية الحسابات بطريقةٍ غير أخلاقية تحديداً مع تركزه في كل من الصين وإيران؟ إلا أنه وعلى طريقةِ ربيع الدم العربي عندما كانت كل دولةٍ ترى بنفسها في منأى عنه بدأت رقعة انتشار الفيروس تتسع ليعود السؤال من جديد: هل حقاً إن ما يجرى يبدو كنوعٍ من استخدام السلاح الأقذر وهو السلاح البيولوجي؟
ببساطةٍ لا أحد يدعي امتلاكَ الإجابة عن هذا السؤال، بل وبموضوعيةٍ أكثر بدت هذهِ التحليلات كنوعٍ من الهروب إلى الأمام يعتريها الكثير من السيناريوهات الهوليوودية، ولكي نتمكن من الوصول إلى الجوابِ الأقرب للمنطق لابد من محاكاةِ الأزمة عبرَ بُعدينِ اثنين:
أولاً: الاقتصاد هو الهدف
لا يمكِن لمَن يفكّر باستخدام السلاح البيولوجي ضدَّ عدوه إلا وأن يحتسبَ هامشَ الربحِ والضرر تحديداً أن هكذا سلاح لا يبدو عملياً مأمون الجانب عندما تكون القواعد الأميركية مثلاً تنتشر في العديد من الدول حولَ الصين. بذاتِ السياق فإن الولايات المتحدة عندما استخدمت السلاح النووي في هيروشيما كانت تدرك حجم الخسائر البشرية التي ستنتج عن هذا القرار القذر، لكنها بذات الوقت أرادت أن توجه لليابان ضربة واحدة وقاضية وهو ما كان لها.
في الحالة الصينية تبدو المقاربة مختلفة فمثلاً لا يُعقل أن يكون الهدف من تعمد تفشي الفيروس في الصين هو قتل مليار صيني ولا حتى مليون صيني هذه مقاربة تبدو ساذجة، لكن بالوقت ذاته قد يكون الهدف من هكذا استخدامٍ دنيء أبعدَ من فكرةِ العامل البشري والذي قد يقودنا إلى احتمالين، الأول هو خلق حالةٍ من البلبلة والفوضى التي قد تجعل الدولة المستهدَفة تترنح، هذا المثال ينطبق على الحالة الإيرانية تحديداً أن العقوبات الأميركية فعلياً جعلت الاقتصاد الإيراني يدخل مرحلةَ الموت السريري، أما الثاني فأن يكون هذا الاستخدام بهدفِ خلق حالةِ البلبلة ذاتها لكن عبرَ ضرب نقاط القوة الأهم في هذهِ الدولة أو تلك، وفي الحالةِ الصينية كان الهدف مما جرى عزل الاقتصاد الصيني وجعله يعاني متاعبَ إنتاجٍ وتصدير، فالاقتصاد هو النسغ الذي لا يغذي الصين فحسب لكنه ببساطةٍ كان إحدى القواعد الأساسية التي بُنيت عليها مكانة الصين بينَ الأمم، فهي لم تتخذ كدولةٍ تمتلك كل مقومات الصعود الصاروخي تلكَ النزعة العدائية أو الدونية أو الترهيب بفرطِ القوة تجاهَ الآخرين، بل تعاطَت من مبدأ أن الاحترام و الانفتاح على الجميع يخلق فرص السلام الذي يُحدث بدورهِ الرخاء الاقتصادي للأمم. على هذا الأساس بدت فرضية الحرب البيولوجية عليها بهدفِ قتل ما يمكن قتلهُ من شعبها فرضية عقيمة، فالهدف كان اقتصادياً لكن حساب الحقل لم يُطابق حساب البيدر، وبمعنى آخر: قالوا سابقاً: «إن عطس الاقتصاد الأميركي فسيصاب الاقتصاد العالمي بالمرض»، لكن تجربةَ الشهرين الأخيرين أثبتت أن ارتفاع درجة حرارةَ الصين ستعني حُكماً ذهاب الاقتصاد العالمي إلى الحجر الصحي.
ثانياً: ردات الفعل الأوروبية
هنا نتحدث فعلياً عن المستهلك الأساس الذي تضرّر من مرض الاقتصاد الصيني، القضية ليست مرتبطة فقط بمعاملِ الماركات الأوروبية الشهيرة التي تنشَط في الصين بسبب تدني كلفة التصنيع مقارنةً بالدول الأوروبية، نحن نتحدث عن أبسطِ مستلزمات الحياة التي تنتجها الصين وتستهلكها أوروبا، لنتخيلَ أن دولة مثل فرنسا باتت فيها الكمّامة ومعقم الكحول أشبهَ بحلم جرة الغاز الذي يراود السوريين، لكن القضية لَم تقِف هنا فحسب فكيف ذلك؟
«لم يكن ينقصهُ إلا البكاء»، هكذا عبرَ الكثير من الفرنسيين عن وجهةِ نظرهم بالخطابِ الذي ألقاه الرئيس إيمانويل ماكرون مساءَ الخميس الماضي، وأعلنَ فيهِ عن مجموعةٍ من الإجراءات الاستثنائية على مستوى الجمهورية لضمانِ منعَ تفشي الفيروس على طريقة الجارةِ إيطاليا. بدا ماكرون مرتبكاً وكأنهُ في خطابِ حربٍ، ارتباكٌ بدا في نبرتهِ أو حتى بطريقةِ نقلهِ للحقائق، ارتباكٌ أربكَ الفرنسيين ذات أنفسهم صباحَ اليوم التالي عندما تحولت المراكز التجارية في المدن الكبرى إلى أشبهَ بصورةٍ عن يومِ الحشر بعد ازدياد الطلب على المواد الغذائية، ماكرون الذي يمتاز عادةً بالكثير من الهدوء والرزانة في كلامهِ بدا أسيرَ ما لا يريد أن يقوله، هذا الهدوء خانه هذه المرة لأسبابٍ مجهولة فمن المنطقي أن يتحلى رجل الدولة في اللحظاتِ الاستثنائية بالقدرةِ على رفع معنويات شعبهِ وإن كانت الواقعية مطلوبة، لكنهُ ببساطةٍ فشلَ في الاثنينِ معاً، فما بالنا عندما تتخذ هذهِ الإجراءات الاحترازية لأجلٍ غير مسمى؟
الحالة الفرنسية لا تعدو كونها مثالاً عملياً عما يجري في القارةِ المحتضرة، فالوضع في ألمانيا وإسبانيا ليسَ بحالٍ أفضل، أما الجار العاق بريطانيا فبدا وكأنه معزولٌ فوق العزلة التي يعانيها بعد قرارهِ مغادرة الجنة الأوروبية، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الخسائر التي ستعانيها القطاعات الاقتصادية في هذه الدول وغيرها نتيجة لتمويلِ هذه الإجراءات الاستثنائية، فهل إنهم يبحثون فعلياً عن الخسائر المادية مجاناً أم إنهم قالوا لشعوبهم نصفَ الحقيقة؟!
قد يبدو الوضع كذلك، لكن الحقيقة قد لا تكمن فقط بتوضيحِ الاتهامات الصينية للأميركيين بتعمدِ نقل الفيروس من عدمهِ، الحقيقة تبدو في مكانٍ آخر يمكننا تلخيصهُ بالفشل الذريع الذي أبدتهُ المنظومة التكنولوجية التي يبني عليها النظام العالمي مالياً واقتصادياً وحتى صحياً، بالفشل الذريع الذي أبدتهُ التحالفات والتكتلات الاقتصادية والاجتماعية هنا وهناك، هل لنا أن نتخيَّل أن الصين كانت أول من تجرأَ وأرسل طائرةَ مساعداتٍ لإيطاليا المنكوبة فيما التزمت جاراتها الصمت تجاه استغاثاتها، ختاماً بالفشل الذريع لسياسة الحدود المفتوحة وتحول العالم إلى قريةٍ صغيرة، هل لنا مثلاً أن نتخيلَ بأن فيروساً خرج عن السيطرة استطاعَ أن يعزلَ دولاً وقارات؟! على هذا الأساس نبدو جميعاً اليوم أمامَ مشكلةٍ تتشاركها الإنسانية جميعاً لا مكان فيها للمزاودة والتنظير والشماتة، فبماذا يفرق مثلاً الذي يشمت بأوروبا وفشلها بتجنبِ الكارثة لأنه يختلف معها سياسياً عن الذي يشمَت بإيران لذات الأسباب تحديداً أن الأبرياء هم من يدفعون الثمن؟ فماذا ينتظرنا؟
ليسَ المطلوب الآن الدخولَ في زواريبَ من هو المتسبب بما جرى تحديداً أننا تعودنا على الكثير من الألغاز التي بقيت في إطارِ الأُحجية لم يكن تسونامي أندونيسيا أولها ولن يكون فيروس كورونا آخرها، باختصار كان الهدف الصين لكنها نجحت عبرَ تكاتفِ شعبها بالنجاةِ، لكن القضية لن تتوقفَ هنا، إنها أولاً وأخيراً معركةُ اقتصادٍ فمن سيصيح أولاً؟
هناك فرق بين العواطف والوقائع لكن ما هو مؤكد أن عبارة قالها الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك تصلح لكل المجالات: «المتغطي بالأمريكان عريان»، ومن قال: إن المستعربين وحدهم من تدَثّرَ بالأميركيين؟!