اللاجئون والابتزاز التركي.. بقلم: محمد نور الدين

اللاجئون والابتزاز التركي.. بقلم: محمد نور الدين

تحليل وآراء

السبت، ٧ مارس ٢٠٢٠

تلقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضربة غير مسبوقة له في منطقة إدلب السورية عندما قامت طائرة روسية بقصف رتل عسكري تركي كان يتقدم لمساعدة مسلحي المعارضة. وقد سقط للجيش التركي على الأقل 36 قتيلاً فضلاً عن عدد كبير من الجرحى.
يعتبر أردوغان أن إدلب جزء من الأراضي التركية التي كانت ضمن حدود الميثاق الملي لعام 1920 ويتصرف على أساس أنها المحافظة رقم 82 في تركيا. لذلك هو يطلب من الجيش السوري أن ينسحب من المناطق التي سيطر عليها في الآونة الأخيرة على اعتبار أنه ينتهك السيادة التركية!
وهو الموقف نفسه من ليبيا عندما اعتبرها أردوغان «أمانة عثمانية» وأنه هناك لحماية أحفاد أجداده من قبيلة «كور أوغلو» معتبراً المشير خليفة حفتر متمرداً ويجب وضع حد له.
في خضم الوضع المهزوز لأردوغان في الداخل التركي والغضب من سقوط هذا الكم الكبير من الجنود الأتراك قتلى، تقمص أردوغان شخصية «الدون كيشوت» وراح يضرب خبط عشواء في كل مكان يعتقد أنه سينقذه من مأزقه في سوريا وليبيا وفي كل المنطقة العربية وشرق المتوسط.
وعلى رأس الملفات التي يعود إليها أردوغان من فينة لأخرى قضية اللاجئين السوريين. إذ أعلن بعد مقتل ال 36 جندياً في إدلب أنه سيفتح حدود تركيا أمام كل لاجئ سوري يريد الذهاب إلى أوروبا. وبالفعل استقدم أردوغان الآلاف من اللاجئين ورمى بهم على الحدود مع بلغاريا واليونان وحاولوا أن يعبروا الأسلاك الشائكة إلى داخل أوروبا. لكن حرس الحدود اليوناني منعهم من ذلك بالغاز المسيل للدموع والرصاص الحي.
اتخاذ أردوغان هذه الخطوة كان يعكس المأزق الذي وجد نفسه فيه على أكثر من صعيد.
1- لقد انكسرت هيبة أردوغان أمام الرأي العام التركي بعد مقتل ال 36 جندياً. وتداعت القوى في الداخل التركي متسائلة عما يفعله أردوغان في سوريا كما في ليبيا محملينه مسؤولية إراقة دم الجنود خارج الوطن. فكانت خطوة أردوغان لفتح البوابات أمام اللاجئين محاولة لترميم صورته المهشمة والقول للرأي العام إنه قوي إلى درجة القدرة على إحراج الدول الأوروبية وإيذائها.
2- قبل مقتل الجنود الأتراك استنجد أردوغان بحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي من أجل مساعدته عسكرياً ولا سيما لتزويده بمنظومة دفاع «باتريوت» الجوية لمواجهة سلاح الجو الروسي والسوري. لكن أحداً في الغرب لم يستجب لطلبه. وتكرر الأمر نفسه بعد مقتل الجنود واجتمع حلف شمال الأطلسي والمفوضية الأوروبية من دون نتيجة تذكر. فكان قرار رمي اللاجئين على الحدود انتقاماً من الرفض الغربي لمساعدته عسكرياً.
وفي هذه النقطة كان من الطبيعي ألا يستجيب الغرب لطلبات أردوغان. فهو أبرم صفقة «أس 400»مع روسيا رغم تحذير واشنطن له. ولما مضى في الصفقة كان الكونغرس الأمريكي بمجلسيه يفرض عقوبات اقتصادية وأمنية ومنع تسليم طائرات «أف 35» إلى تركيا فضلاً عن قرار الاعتراف بالإبادة الأرمنية. وبالتالي فإن قرار المساعدة من عدمه ليس مرتبطاً بمزاج أردوغان بل له ظروفه وشروطه.
3- يحاول أردوغان من فتح الحدود أمام اللاجئين للتدفق إلى أوروبا أن يضغط على الأوروبيين لتغيير موقفهم الرافض لمساعدة تركيا من جهة والضغط على روسيا من جهة أخرى.
4- واشتهر أردوغان بنهجه الاستفزازي والابتزازي للأوروبيين بأكثر من ملف وفي مقدمتها ملف اللاجئين. وكلما كان يرسل اللاجئين إلى الدول الأوروبية كان مسؤولوها يهرعون إليه مقدمين له الدعم المالي لإبقائهم داخل حدود تركيا وخشية من تحريك الجاليات التركية الكثيرة في هذه الدول والتي يحسب لها رؤساء أوروبا حسابات انتخابية. لذا فإن أردوغان يحاول أن يبتز أوروبا «بتدفيعها» المزيد من المال لإبقاء اللاجئين السوريين وغير السوريين في الداخل التركي.
على الرغم من أن ملف اللاجئين يزعج الأوروبيين فإن تكرار أردوغان اللجوء إلى هذه الخطوة قد يزيد من حنفية المال المتدفق إليه لكنه لن يجعل الأوروبيين يرضخون له في المجال السياسي أو الأمني والعسكري. بل سيزيد أيضاً الاستياء الشعبي الأوروبي من أردوغان وسياساته المستفزة والمبتزة، وفي المحصلة لن تعيد ترميم صورته وهيبته التي تتهشم يوماً بعد يوم وليس آخرها «مقتلة» الجنود في إدلب.