للمعلومة وقتها.. بقلم: سامر يحيى

للمعلومة وقتها.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٦ فبراير ٢٠٢٠

يُحكى أنّ دولة متقدّمة طوّرت طائرةً لا يلتقطها الرادار وقد جابت مناطق عدة، إلا أنّ دولة نامية علمت بأمر هذه الطائرة، وعند استفسار الدولة عن سر رصدها لهذه الطائرة الحديثة وما هي وسائل التكنولوجيا التي تمتلكها، فكان الجواب بأنّه تم التعميم لكافّة سفارات الدول، والدولة الوحيدة التي قدّمت اعتذارها عن حصول ذلك دولتهم. قصة أخرى يقول الشاعر:
كل علمٍ ليس في القرطاس ضاع             كل سرّ جاوز الاثنين شاع
فكيف بعصر التكنولوجيا التي دخلت في كلّ منزلٍ ومكان دون استثناء حتى أكثر الأماكن سرّية وخطورةً وتأثيراً على المجال الحيوي للدولة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ لكل عملٍ خصوصيته وسريّته، وكلّما استطعت تملّك المعلومة والحفاظ على سريّتها تكن أقوى، وعلى العامل قبيل انتسابه لمؤسسته أن يلتزم بأخلاقيتها، ومطّلعاً على نظامها الداخلي، والمهام المنوط بها، وتفاصيل القسم الذي سيعمل به، وبالتالي يتمكّن من التمييز بين السري والعلني، بين الوقت المناسب، والوقت الأنسب، بين المعلومة التي يجب أن يطّلع عليها، والخصوصيات التي يجب ألا يتدخّل فيها، والجمهور الذي يجب أن يتوجّه إليه بهذه المعلومة أو تلك.  
 إذاً الدراسة المنطقية والجديّة لكلّ ما نقوم به، هي التي تسهّل علينا الطريق، وتوضّح لنا الخطوات، وتجعلنا نميّز بين ما يجب وما لا يجب، وتساهم باستثمار الجهود والمعارف والمعلومات والمعطيات التي تتوفّر لدينا بالطريقة الأنسب، والمردود الأكبر، ووضع المعلومة في السياق الصحيح الذي يساهم بتطوير الأداء المؤسساتي ومضاعفة عملية الإنتاج، واستقطاب الجمهور، وتضع الأعداء في خانة الترقّب والتخبّط والحيرة.
 إنّ الكتمان والجهل لأبناء المؤسسة، لا سيّما بعض العاملين لديها ينعكس سلباً على المؤسسة لا إيجاباً لها، وتحت ستار السرية والخصوصية للأسف الكثير من الخسائر تترتّب على المؤسسة، لأنّ المبالغة في السرية تنقلب إلى الاستخفاف والاستهزاء، والسرية هي المرحلة الأولى لصناعة وصياغة المعلومة التي تجعلها قابلةٌ للتطبيق على أرض الواقع، ضمن الظروف المحيطة والموارد المتوفرة، مما يمنع الأعداء والمستغلين والانتهازيين، من فتح ثغرات ووضع العصي بالعجلات، بما لا يتناقض مع النقاش والحوار البنّاء مع أصحاب الرأي والتخصص والخبرات والذين على احتكاك مباشر مع القرار موضع الدراسة، وبالتالي سهولة التطبيق على أرض الواقع بشكلٍ إيجابيٍ وبنّاء، بينما الاحتكار هو تدمير، واخفاء المعلومة مهما كانت النية سليمة، فهو إساءة، ويجد بها الكثيرون الحجّة للتهرّب من المهام الموكلة إليهم، بما يؤدي لفتح ثغرات بين المؤسسة وجمهورها بدل من استقطابهم ليكونوا عوناً لهم وبهم، ويسيء لدور المؤسسة وما تبذله من جهد وعناء للوصول للمهام الموكلة إليها، ويجعل النظرة إليها أنّها متقاعسة سلبية غير مهتمة بهذا المواطن وبما يجب أن تقدّمه له، وعندما تظهر المعلومة تصبح باهتة لا قيمة لها، إن لم تنعكس سلباً على المؤسسة وتساهم بنشر الشائعات وتصديق أيّة شائعة ضدها.  
 نحن في عصر السرعة لا التسرّع، في عصر الحكمة والحنكة، لا عصر العشوائية والانتقائية والعفوية اللا واعية، في عصر المعلومة العلنية لأبناء مجتمعنا، والسرية والخصوصية لأعدائنا ومن يتربّص بنا، لكي تصبح قراراتنا أكثر فائدةً ونجاعةً وقدرةً على التطبيق على أرض الواقع. وتساهم في التقليل من الأخطار والسلبيات والتصديّ للكوارث والعوائق والعقبات.
 العمل المؤسساتي لا سيّما في المؤسسات الوطنية أخلاق بالدرجة الأولى، ويجب أن نعرف متى نعلن ومتى نسرّ، وبالتالي ضرورة التواصل والتعاون بين المؤسسات الوطنية لأنّ رب العمل واحد وهو الدولة بكلّ مؤسساتها دون استثناء، فالتفاهم والتعاضد والتشاور والنقاش فيما بينها يوفّر الجهد والمال والوقت ويضغط النفقات أضعاف التنظير الذي ننظّره، فكلّ مؤسسة لها خبرةٌ بهذا التخصص أكثر من تلك كلٌ ضمن نطاق تخصصها وإمكانياتها والمعلومات والمعطيات المتوفّرة لها، والتجارب والخبرات التي مرّت عليها.
  القطّاع العام لا يحتاج السريّة بين الموظّف والمدير، بل تفعيل روح الوطنية بين كلّ أبنائها، واستثمار روح الفريق بينهم، وبالتالي تلقائياً سيعرف كل شخصٍ حدوده، سرية عمله وخصوصيته، وما يجب أن يعرفه الآخرون وما يجب ألا يعرفونه، وبالتالي تنجح المؤسسة بكامل كوادرها، وينسب النجاح لها كلّها وليس لفردٍ منها، وإن كان يُحسب للمسؤول الأعلى حنكته وحكمته في النهوض بمؤسسته وفريق عمله.
 إن السريّة والشفافية والواقعية والندوات والمحاضرات البناءة، البعيدة عن النظرية الجامدة، وحتى نشر المعلومات والإحصاءات، هي الطريق السليم لنجاح الجميع لأنّ توفّر المعطيات هو مفتاح نجاح أي قرار، والمعرفة الواسعة تساهم في الردّ على كل التساؤلات وحتى المحرجة منها، وعندها لن يكون شيئاً محرجاً لهذا المسؤول أو ذاك، ولن يستطيع الإعلامي اجتزاء مقطعٍ أو جملةٍ يشوّه بها سمعة هذا المسؤول أو ذاك، ويكون من الإيجابي استثمار المعلومة ومعرفة خصوصيتها وعلنيتها والفريق الذي يجب أن توجّه إليه.  
  لنتعلّم الدروس من أخوتنا في الجيش والقوات المسلّحة الذين يسيرون على خطىً ثابتة ومتوازية بين التكتيك والاستراتيجية، بين السرية والعلنية، بين التجهيز العلني والاستعداد السرّي لتطهير ثرى التراب المقدّس من رجس الإرهاب، ودحر وإفشال كل محاولات الأعداء اختراق سيادتنا.