التحرير الكامل لحلب وتداعياته.. بقلم: جمال زهران

التحرير الكامل لحلب وتداعياته.. بقلم: جمال زهران

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٥ فبراير ٢٠٢٠

أخيراً تمّ التحرير الكامل للمدينة المحافظة… حلب… الغالية على نفس كلّ عروبي، من قبضة الإرهابيين الداعشيين، ومن قبضة المحتلّ الغاصب تركيا الأردوغانية. فعلى الرغم من تحرير حلب منذ عام 2016، أيّ منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلا أنه كانت هناك في بعض المناطق بريف حلب القريبة من الطريق الدولي، جيوب إرهابية مدعومة من تركيا الغاصبة، ومدعومة من دول الرجعية العربية بقيادة السعودية، ومدعومة من الأميركيين بشكل سافر… إلا أنّ التحرير الكامل كان يحتاج إلى بعض الوقت لدراسة هذه الجيوب الإرهابية على الأرض وخطوط الإمداد التمويني والعسكري لها، حتى يتم القضاء عليها قضاءً نهائياً.. لا رجعة فيه مهما كان الثمن المترتب على ذلك. وبمجرد توافر جميع المعلومات للجيش الوطني العربي السوري، بشأن هذه الجيوب الإرهابية، لم يتوان الجيش البطل المغوار، بالمبادرة نحو تحرير كلّ حلب وريفها من قبضة هؤلاء بلا رحمة أو مهادنة. وتحقق في الشهر الأخير تحرير كلّ القرى والمدن على الطريق الدولي، بل تحرير هذا الطريق الذي يمتدّ إلى نحو 500 كم طولاً. واستطاعت قوات الجيش السوري عبور هذا الطريق إلى الجانب الآخر والتحرك إلى ما قبل الحدود التركية بعشرة كيلومترات فقط، حيث انتهت التحذيرات بالخروج وترك المكان والرحيل، الى أن انقضّت القوات السورية على هؤلاء، وبلا رحمة أو صبر أو تسويف.
وقتل نحو ألف من هؤلاء الإرهابيين وإصابة المئات والآلاف، واعتقال مثلهم، والمحاكمة العاجلة والإعدام الفوري. فهذا أقلّ جزاء يستحقه هؤلاء المرتزقة العملاء للاستعمار الغربي (الأتراك – الأميركان – الرجعية العربية – “إسرائيل”).
وقد سبق أن أكدنا في مقال، ذلك التلازم بين الإنجاز العسكري السوري ضدّ الإرهابيين، وبين الهجمات الصهيونية على مواقع داخل دمشق وخارجها، بهدف إرباك القوات المسلحة السورية، والحيلولة دون الاستمرار في تحرير الأراضي المحتلة السورية من قبضة الإرهابيين والأتراك.
إلا أنّ العدوان الصهيوني ذو تأثير محدود، ولكنه يثبت ذلك التنسيق بين “إسرائيل” وبين الجماعات الإرهابيّة، وكذلك مع تركيا أردوغان، الذي يزعم رفضه لصفقة القرن، بينما هو في حالة تنسيق كامل مع الكيان الصهيوني!
– ولعلّ السيناريو السائد حالياً هو: الإصرار السوري على تحرير كلّ التراب السوري في إدلب، مهما عظمت التهديدات والتدخلات التركية التي تمثل وجهاً استعمارياً بغيضاً، يذكرنا بالاستعمار العثماني، ومن بعده الاستعمار الأوروبي، وحالياً ذلك الاستعمار الأميركي الصهيوني للمنطقة العربية والإصرار على الاستمرار في ذلك.
ويجري تنفيذ هذا السيناريو، بالإصرار السوري، والتعبئة الداخلية تجاه هذا الهدف، وتجهيز لمرحلة ما بعد التحرير الكامل لإدلب، ابتداء من التحرير الكامل لحلب وريفها، وانتهاء لتحرير كلّ الأراضي السورية المحتلة بعد أحداث آذار/ مارس 2011، التي افتعلها الإرهابيون ومن يدعمونهم بالمال والعتاد والسلاح والأشخاص المرتزقة.
فضلاً عن ذلك، فإنّ ذلك السيناريو يتحقق بالتنسيق مع روسيا الداعمة على طول الخط للدولة السوريّة (جيشاً وشعباً وقيادة). والصحيح أنّ سورية تنفذ هذا السيناريو بأقلّ خسائر ممكنة، وتحقيقاً لأكبر مكاسب ممكنة، لكن الهدف النهائي هو التحرير الكامل للأراضي السورية واستعادة السيطرة علي كافة المناطق التي تمّ احتلالها، رغم محدودية مساحتها، إذا ما قورنت بمرحلة ما قبل تحرير حلب منذ ثلاث سنوات وأكثر قليلاً. كما أنّ سورية بتحركات جيشها اليقظ، والذي اكتسب الخبرات في حربه ضدّ العصابات الإرهابية، أحكمت الحصار على الإرهابيين، حيث حاصرتهم من جوانب ثلاثة وتركت ناحية واحدة لكي تساعد على الهرب للإرهابيين اذا ما قبلوا، التخلي عن السلاح، وإلا فإنّ الموت يلاحقهم حتى النهاية. وهو ما يتمّ في أغلب الأحيان بلا جدال إطلاقاً. كما أنه قد تأكّد الفشل التركي في ممارسة الضغوط على روسيا، من أجل تحييدها، ومن أجل رفع الحماية عن الدولة السورية، حيث رفضت روسيا ذلك، وأصرّت على تنفيذها اتفاقية سوتشي، بالكامل، وصيغة أستانا، دون التوصل إلى اتفاق جديد يقضي بتحييد روسيا، وإطلاق يد تركيا في مواجهة الجيش السوري، بدون غطاء روسيا العسكري. وتصرّ روسيا على عدم منح تركيا أردوغان، أية مكاسب على حساب سورية (دولة ونظاماً)، أياً كانت النتيجة. الأمر الذي يشجع سورية على الاستمرار في تحرير إدلب وكلّ الأراضي السورية حتى النهاية. فقد استطاع الجيش السوري تحرير المناطق الكبرى في خان شيخون، ومعرّة النعمان، وتخوم سراقب، وغيرها من مئات القرى، حتى تمّ تحرير حلب كلها والطريق الدولي كاملاً.
وختاماً، فإنّ تحرير حلب وريفها كاملة من الإرهابيين والأتراك الداعمين، لهو مكسب كبير (عسكرياً وسياسياً واقتصادياً)، ونقطة تحوّل كبيرة في موازين القوى في سورية التي أصبحت في جانب سورية بشكل كامل، ولهذا تداعياته الإيجابية الكبيرة، والتي ستظهر تباعاً في الأيام والأسابيع المقبلة.
 
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.