لماذا.. ولماذا؟!.. بقلم: يسرى ديب

لماذا.. ولماذا؟!.. بقلم: يسرى ديب

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٤ فبراير ٢٠٢٠

تطربنا أخبار مكافحة الفساد، خاصة عندما تتداول الأخبار أو التسريبات وصول «البل» إلى أسماء كبيرة، لكن المشكلة أن انتشار الفساد يسابق نمو الفطر الذي يتطور بالدقائق، برغم كل ما يقال عن محاربته والتصدي له.
لا أحد يستمر في معالجة المرض بالدواء ذاته إذا لم يحقق نتيجة أو تحسناً بعد المدة المخصصة لذلك، فهل يعقل أن يستمر الحديث عن مكافحة الفساد عقوداً، والنتيجة استمراره وتحوله إلى حالة شائعة؟! هناك الكثير من الأمراض لا يمكن علاجها بالأدوية إذا لم تتم معالجة ومكافحة الأسباب، فهل تستطيع أكثر أدوية العالم تطوراً أن تتغلب على الجراثيم الموجودة في الصديد من دون إجراء جراحة تفتح له مجرى للخروج من الجسم؟
كيف يمكن لكل مقولات مكافحة الفساد أن تعود بنتيجة إذا كان الأجر الذي يحصل عليه ذوو الدخل المحدود لا يغطي تكاليفهم المعيشية؟
هل تستطيع برامج التطوير الإداري أن تحقق أي نتائج إذا كان كل ما يشغل بال المتدربين هو ما يمكن أن يحققه لهم أي مشروع من دخل إضافي في هذا المكان أو ذاك؟
لماذا تهدر الملايين على مشاريع تطويرية لن تغير قيد أنملة من الواقع الذي يراوح مكانه؟
نحن الآن في ظرف استثنائي تفرضه الحرب، وهذا الظرف فاقم الأمور كلها ولكنه لم يخلقها، والواقع أن هذا الدخل المنخفض يعامل على أساسه أصحاب الدخل المحدود من أبنائنا أينما رحلوا، فهم إن عملوا في بلدان أخرى لن يجدوا بسهولة من يخرج عن هذه القاعدة.
والمشكلة الآن أن الحرب حولت الأمور التي كان يتحايل عليها المواطن إلى ما يشبه المستحيلات، مثلاً من المستحيل أن يتمكن الآن أي شاب من بداية حياة زوجية إذا لم يرث عن أهله، أو إذا لم يكن وجد منفذاً ينتهي به ضمن قوائم الفساد والفاسدين، فسعر غسالة وفرن غاز يتجاوز النصف مليون ليرة!
إن علاج الفساد والترهل الإداري ونقص الخبرات والكفاءات، والتعليم والقضاء وإهمال العمل.. واحترام الوقت، يتم بحصول الفرد على دخل يؤمن له حاجيات الحياة كحد أدنى دون الحديث عن أي مشاريع أخرى، وقصة ذوي الدخل المحدود عندنا تستحق أن تدخل ضمن موسوعة «غينيس» لخبراتهم في التحايل على الحياة مع دخل يجب أن لا يقل عن ثلاثمئة ألف ليرة بينما ما يصلهم منه لا يصل إلى الربع!