كورونا.. فيروس وأشياء أخرى.. بقلم: محمد خلفان الصوافي

كورونا.. فيروس وأشياء أخرى.. بقلم: محمد خلفان الصوافي

تحليل وآراء

الخميس، ٢٠ فبراير ٢٠٢٠

فيروس كورونا، الذي ضرب جمهورية الصين الشعبية منذ شهر تقريباً، هو وباء تحاول دول العالم كافة بالتعاون مع الصين السيطرة عليه والحد من انتشاره.
وقد فاجأت الصين العالم في سرعة ردة فعلها من خلال التعامل مع هذا الوباء دون تدخل من أحد، رغم إبداء الجميع استعدادهم للتعاون معها، وبسبب هذا الوباء نسي الكثير من الناس أغلب الأحداث السياسية وغيرها حتى المتعلقة بالتنافس على النفوذ الدولي والإقليمي، بما فيها القضايا التجارية ومفاوضاتها بين الولايات المتحدة والصين.
الشيء الذي أنعشه وباء كورونا نظريات معروفة أنها من نظريات السياسة الدولية في تفسير أسباب ما يحدث فيه من أحداث وإن كانت «نظرية المؤامرة» هي التي تصلح لكل شيء خاصة عند الشعوب العربية التي تملك خيالاً خصباً فيه خاصة إذا تواجدت الولايات المتحدة أو الغرب بشكل عام، إلا أن النظرية التي تبدو فيها شيئاً من الواقعية ويمكن استحضارها هنا في «أزمة كورونا» هي:
نظرية الاحتواء التي تم تطبيقها في فترة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون من أجل الحد من الطموحات الإيرانية النووية شملت أيضاً دولاً أخرى مثل كوريا الشمالية والعراق في أيام نظام صدام حسين  وكوبا تحت مسمى (الدول المارقة ثم تحولت لتسمى محور الشر).
كما أنعشت معها سوق التحليلات عن إمكانية عودة الصين مرة أخرى لتطبيق استراتيجيتها المعروفة بـ«طريق الحرير» التي دفعت بالولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في استراتيجية مغادرة منطقة الشرق الأوسط بعدما قررت ترك المنطقة وإذا كانت هذه النظرية قد فشلت أيام كلينتون وبوش الابن فهل يمكن أن تفيد إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي يبدو أنه أكثر شخص يشعر بالسعادة بأن «فيروس كورونا» سمح له المجال للتركيز على الملفات الداخلية التي لا تقل سخونة عن الملفات الخارجية.
ففي ظل زحمة تركيز الصين في إدارة أزمتها واتباعها الإجراءات التي تصب في مكافحة فيروس كورونا حدث تفسير خاطئ متعمد بأن تلك الإجراءات تساعد في إغلاق المجتمع الدولي في وجهها وتطبيق حصار محكم عليها خاصة بعد إيقاف الرحلات الجوية إليها.
وكأن هذا الوباء فرض على الدولة العظمى القادمة عقوبات اقتصادية عليها بطريقة لو فكرت واشنطن لما نجحت بمثل هذا النجاح الذي نشاهده فهي أقرب إلى استراتيجية الاحتواء التي طبقت على الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن هذا لم يحدث ولم يغلق أحد الأبواب في وجه الصين..
لا يمكن النظر إلى طريقة تعامل العالم مع «فيروس كورونا» القادم من الصين باعتباره وباء صحياً حاله كحال أي فيروس آخر واجهته البشرية، وليس هناك مجال إلى أخذ الموضوع بأن جوانبه صحية أو اقتصادية فقط، بل إن الأمر لا يخلو من «لعبة في العلاقات الدولية» وفيه من الاهتمام لدى السياسيين من الجانب الصيني ومن الجانب الأمريكي بالقدر الذي يلقاه من الرأي العام العالمي لأن المعادلة السياسية في هذه اللعبة أي خسارة لدولة هي في المقابل مكسب.
الأوباء حالها اليوم كحال أي متغير في العلاقات الدولية وهي طريقة لإدارة الأزمات وفق ما ينظر له كل واحد وفق الزاوية التي يرى منها الموضوع وفي حالة فيروس كورونا هو متغير يمكن الاستفادة منه في تحقيق واشنطن بعض أهدافها.
ومع أن هناك إجماعاً بأن الصينيين يستطيعون تحقيق السيطرة الكاملة على الوباء وأن حالة القلق العالمي من انتشار هذا الوباء بدأت تتراجع لكن هذا التحدي يمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الصين على استعراض قدراتها ليس في إدارة الأزمة فقط ولكن أيضا في اكتساب ثقة الرأي العام العالمي فالأمر تحدياً للصينيين وعلى جهودهم بعد أن خرجت بلادهم من «تقوقعها الداخلي» وشعرت بمكانتها الدولية سياسياً واقتصادياً.