الدموع ممحاة الحزن.. بقلم: رشاد أبو داود

الدموع ممحاة الحزن.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

الجمعة، ١٤ فبراير ٢٠٢٠

وهل يبكي الرجال؟ نعم يبكون. فالأمر ليس بيدهم. إنها الطبيعة البشرية. القلب، الحزن، الفرح، الدموع، سلسلة متصلة وسر من أسرار الخلق. العلم اكتشف بعضها والبعض الباقي في علم الغيب.
سئل طبيب القلب العالمي البروفيسور مجدي يعقوب عن أشد المخاطر على القلب فقال: «الحزن. معظم مرضاي يكون سبب مرضهم الحزن. فهو يوجع القلب ويجعل جزءاً منه يضعف. هذا يؤثر عليه بحيث لا يعود يعمل كالمعتاد. القلب لا يعمل في حالة الحزن الشديد. وعندها يحتمل أن يتوقف تماماً ويموت الإنسان قبل أن تعود العضلة إلى وضعها الطبيعي. فالحزن وكسرة القلب ليسا مجرد شعور إنساني فقط بل فسيولوجي أيضاً».
الصديق الدكتور جمال شعبان مدير معهد القلب في مصر حتى وقت قريب والناشط على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي يسدي كل يوم نصائح طبية تتعلق بالقلب على صفحته في فيسبوك يحذر فيها من الحزن على القلب وينهيها بهاشتاغ «ما تزعلوش»، حتى عندما ينعى أحد زملائه الأطباء يكتب «أنا زعلان.. ما تزعلوش».
يقدم د. جمال عشر نصائح يوصي باتباعها للمحافظة على صحة القلب، إذ إن عضلة القلب تلعب دوراً مهماً في ضخ الدم المحمل بالأكسجين للأعضاء الحيوية ومدها بالتغذية الدموية اللازمة لها، وبالتالي عندما يتعرض القلب لأي مشكلة مرضية فتتأثر باقي الأعضاء الحيوية وتقل التغذية الواصلة إليها، وبالتالي تتأثر وظائفها.
لكن، الإنسان لا يحزن بإرادته ولا يملك أن لا يتأثر بمن وبما حوله. ما الحل؟
لقد خلق الله الداء والدواء. ودواء الحزن مجاني ولا يحتاج إلى طبيب. إنها الدموع. وهي من أطهر السوائل الجسمانية التي توجد في الحياة، حيث إنها هي التي تطهّر القلب من الأحزان والهموم والاكتئاب، وتقضي على كافة المشاعر السلبية التي يشعر بها الإنسان، وهي التي تقضي على الأحزان التي تجعل الإنسان يائساً ولا يحب الحياة، ولها دور كبير في أن تجعله يشعر بالراحة. وهي ليست دليلاً على الحزن فقط، بل تعبير عن الفرح.
العديد من الأشخاص يخفون بكاءهم وكأن هذا عيب، ولكن هذا ليس صحيحاً. فالدموع من أطهر السوائل الجسمانية التي تطيب القلب والعين، والحزن هو الذي يتعب القلب ولكن الدموع هي التي تمحو الحزن.
يقول العالم الأمريكي وليم فري: «بدون شك فالدموع تعمل على إخراج المواد السامة التي تولدها بعض حالات الانفعال، ولذا فإن حبس الدموع يعرّض الإنسان للإصابة بالتسمم البطيء». كما وجهت الطبيبة الأمريكية «فيرا دايموند» نصيحة لمرضاها وحققت بعدها نتائج طيبة. قالت لهم: «ابكوا واصرخوا ما دمتم قد أغلقتم الباب عليكم، انزعوا كل ما في صدوركم، تكلموا مع آلامكم، انطقوها».
لا تخجلوا من دموعكم، فهي منحة من الخالق لمخلوقاته. فكما تحافظ العين من الداخل على نفس درجة حرارتها سواء كنت في القطب المتجمد أو على خط الاستواء فإن الدموع تمحو الحزن وتعبّر عن مشاعر الفرح في نفس الآلية.
فالعين تومض ست عشرة مرة في الدقيقة، ومع كل ومضة لجفن العين فإنها تسحب قليلاً من سائل الغدد الدمعية، وعندما يشعر الإنسان ببعض الانفعالات مثل الحزن أو الغضب أو السعادة البالغة تضيق العضلات التي حول الغدد وتعصر السائل الدمعي.
وهل يبكي الرجال العظام والقادة؟
نعم، ولنا في رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، أسوة ومثال حين توفي ابنه إبراهيم:
«إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» رواه البخاري.
هناك أيضاً القادة الذين وضعت بين أيديهم مصائر شعوبهم. بعض هؤلاء بكوا في مواقف محددة عجزوا عن الثبات في مواجهتها. فشاه إيران الأخير الذي ولد على سرير من ذهب. وارتدى ملابس الطفولة الموشاة بالذهب. وأكل بملعقة من ذهب. وجلس على كرسي العرش الذي وشى بالألماس والذهب، بكى مرة واحدة في حياته. كانت في الطائرة إلى أقلته التي خارج طهران مبعداً مطروداً عام 1979.
وهتلر عندما هزمت جيوشه انهار باكياً بمرارة بين أحضان عشيقته التي أعلن زواجه منها قبيل انتحاره بساعات. وتردد أنه تعانق مع إيفا براون أكثر من ساعتين في بكاء مرير قبل أن يطلق الرصاص على رأسها. ثم ينتحر.
وبعد نكسة 1967 كان عبد الناصر الذي قال يوماً «ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعمار» يبكي الهزيمة في خطاب التنحي بصوته المخنوق الحزين. فمس مشاعر الجماهير وانطلقت حناجرهم بالبكاء والنحيب. فكان أول زعيم عرفه التاريخ أبكى ملايين البشر لبكائه. لا بكاءً على عار الهزيمة والنكسة.
لا تخجلوا من الدموع فهي مطهّر العين وممحاة الحزن.
* كاتب أردني