تطبيع البرهان في خدمة السودان!

تطبيع البرهان في خدمة السودان!

تحليل وآراء

الأربعاء، ٥ فبراير ٢٠٢٠

نعيم إبراهيم
إذا كان المراد من تراجيديا القيادة السودانية الجديدة رمي الشعب السوداني بأحضان التطبيع مع العدو الصهيوني، بهدف الخلاص من العقوبات الغربية والنهوض بالسودان من جديد تحت راية لم تتغير ولم تتبدل هي راية أباها السيد الأميركي، فإن هذا مجرد وهم يقع في إساره قادة الخرطوم الذين ينبغي ألا ينتظروا أي فوائد من أي نوع كانت، مهما تناهت في الصغر أو تعاظمت في الكبر.
إن لقاء رئيس المجلس السيادي الانتقالي في السودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مع رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو في أوغندا، يمثل خطوة تطبيعية بائسة، تنضم إلى خطوات مماثلة قامت بها بعض الرسميات العربية تحت ذريعة أن أصحاب الشأن الفلسطينيين سبقونا على الدرب ذاته وأننا لسنا ملكيين أكثر منهم. وبسبب قضيتهم عانينا الويلات ودفعنا أثمانا باهظة من خيراتنا ومقدراتنا ومستقبل أبنائنا وبلداننا وقد حان الآن الانعتاق من هذا الحمل الثقيل. لذلك فإن «العداء وحالة الحرب قد انتهيا باتفاق أوسلو وتحول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى طاولة المباحثات».
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو شكر البرهان على «زعامته في تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في أوغندا بدعوة من الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني».
اللقاء الأول من نوعه بين المسؤولين، تناول البدء في تطبيع العلاقات بين السودان والكيان الصهيوني وإقامة مصالح مشتركة، من ضمنها تحليق طيران العال الصهيوني عبر الأجواء السودانية.
هناك من وصف اللقاء بأنه خطوة جريئة وشجاعة من الفريق البرهان تخدم المصلحة السودانية في رفع العقوبات الأميركية، وفي مقدمتها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ويفتح الطريق أيضاً لإعفاء ديون السودان من نادي باريس وإعادة علاقات السودان بمؤسسات التمويل الدولية لتمويل التنمية الاقتصادية، وتحقيق السلام في السودان، والاستفادة من التقنيات الزراعية الإسرائيلية في تطوير قطاع الزراعة والري في البلاد.
أحد المسؤولين الصهاينة علق بالقول إن «نتنياهو يعتقد أن السودان بدأ يتحرك في اتجاه جديد وإيجابي.. عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني يرغب في مساعدة بلده على المضي قدما في عملية تحديث من خلال إنهاء عزلته ووضعه على خريطة العالم».
نتنياهو المأزوم سياسياً وأمنياً وأخلاقياً، بات اليوم يضحك ملء شدقيه وقال قبيل توجهه للقاء البرهان في أوغندا، إن «إسرائيل تعود إلى إفريقيا بشكل كبير، وإن القارة تعود إلى أحضان إسرائيل». وربما سيساعد تطبيع العلاقات مع النظام السوداني في إبراز المؤهلات الدبلوماسية لنتنياهو قبل شهر من الانتخابات التي ستجرى في الكيان الصهيوني في الثاني من مارس آذار.
لذلك شكل اللقاء برأي البعض «اختراقا دبلوماسياً كبيرا» للكيان الصهيوني، وجاء بعد يومين فقط من رفض جامعة الدول العربية «الخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط» المعروفة إعلاميا بـ«صفقة القرن». واعجباه! الشماعة ذاتها بات الانهزاميون من الرسميات العربية يتأبطونها في تبرير عمالتهم وخيانتهم للقضية الفلسطينية ولشعبها ولمقاومتها. وهم يقايضون مصالحهم على حساب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
لقد كثرت الطعنات في ظهر الشعب الفلسطيني منذ عدة عقود مع تزايد مشاريع التسوية والتطبيع مع العدو الصهيوني، في وقت يحاول فيه نتنياهو وإدارة البيت الأبيض تصفية القضية الفلسطينية وسرقة القدس والمسجد الأقصى المبارك وكل أراضي فلسطين التاريخية كما حدث في ضم الجولان العربي السوري المحتل.
إن كل ذلك يتوج اليوم في ظل «الربيع العربي» حيث الفوضى الخلاقة التي نادت بها وعملت لتحقيقها الولايات المتحدة الأميركية مع حليفها الإستراتيجي الكيان الصهيوني ودول الغرب الاستكباري والرجعيات العربية، فهل سيتحسر العرب على لاءات الخرطوم الثلاث التي اتفقوا عليها العام 1967 وهي: لا للاعتراف بإسرائيل، ولا للسلام مع إسرائيل، ولا للتفاوض مع إسرائيل.
إن الآمال معقودة اليوم على الشعب السوداني وعلى قواه الحية وعلى الشرفاء من قادته بأن يرفعوا الصوت عاليا ويعلنوها ثورة غاضبة ضد الخطوة التطبيعية من التيار العسكري بهدف إسقاط مسار الانبطاح في الحضن الصهيوأميركي لتبقى جمهورية السودان الشقيقة منارة القارة الإفريقية والأمتين العربية والإسلامية والداعم الكبير لفلسطين الأرض والإنسان على الصعد كافة.