الحرب الأردوغانية في المتوسط.. بقلم: نورا المطيري

الحرب الأردوغانية في المتوسط.. بقلم: نورا المطيري

تحليل وآراء

الأحد، ٢٦ يناير ٢٠٢٠

حاولت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إقناع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سحب المرتزقة الذين ترسلهم تركيا إلى ليبيا، التزاماً وتحقيقاً لاتفاق برلين، وتحدثت ميركل، حسب مراقبين، بلغة واضحة ومفهومة بالنسبة للنظام التركي، عن أهمية التهدئة في ليبيا وكذلك وقف الحرب في المتوسط والتصعيد في سوريا وعدم العبث بملف اللاجئين.
بالطبع ألمانيا، تعلم، كما يعلم الجميع، أن الاقتصاد التركي يمر حالياً بفترة صعبة وحرجة، وأن الحكومة التركية تأمل في جذب المزيد من الاستثمارات الألمانية والأوروبية. كما أنها تستعمل ورقة اللاجئين لابتزاز أوروبا لدفع مبلغ سبعة مليارات يورو لتركيا مقابل وقف الهجرة، ولكنها في ذات الوقت، تحاول استثمار رئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي، خلال النصف الثاني من العام الجاري، ملتمسة إعادة النظر في طلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد.
حوار الطرشان، بين تركيا وأوروبا، له أسباب عدة، من بينها أن الرئيس التركي لا يستمع إلى التوجيهات والملاحظات التي ترسل له يومياً حول ليبيا وسوريا واللاجئين، بل لا يصغي لكثير من النصح الذي يصبّ في مصلحة الشعب التركي لتخفيف عزلة تركيا والأعباء الاقتصادية التي ترتبت على تدخل تركيا في شؤون الآخرين، ورعايتها الواضحة للإرهاب وتمويل ودعم ونقل الإرهابيين عبر الحدود، وتوقيع اتفاقيات تخلط الأوراق والحدود البحرية في شرق المتوسط.
تذهب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى اسطنبول، لتوجيه رسائل ألمانية وأوروبية وعربية وعالمية صارمة وحازمة، لا تقبل الجدل، وفي المقابل، وقبيل مغادرتها، يوجه الرئيس التركي رسالة عكسية تتضمن التأكيد على دعم حكومة الوفاق الإخوانية ضد الجيش الوطني الليبي والتلميح إلى فوضى عارمة واحتمال شن حرب في المتوسط، وبينما تعلم ميركل أن أردوغان يمول ويدعم المرتزقة والمنظمات الإرهابية كالقاعدة وداعش في ليبيا وسوريا، يُصرح، بعد مغادرتها، أن الخطأ في سوريا، يجب أن لا يتكرر في ليبيا..!!
من جانب آخر، لم يتساءل أحد لماذا لم تتدخل إسرائيل في الحرب التي يشنها النظام التركي على شرق المتوسط للحصول على كنز الغاز الجديد، في أعماق البحر الأبيض، بالرغم أن أطماع الاحتلال الصهيوني، لم تتوقف نحو البر شرقاً باتجاه القدس وغور الأردن والجولان، بل كانت وعبر التاريخ القريب، ترى المتوسط ساحتها التي يجب أن لا يتدخل أحد بموارده الطبيعية، منذ احتلال فلسطين في العام 1948.
ومع أن إسرائيل، وبعد اكتشافها حقولًا ضخمة للغاز في مياه البحر المتوسط باحتياطيات هائلة وتبحث عن أنسب الطرق لتصدير فوائضها الغازية إلى القارة العجوز، عبر قبرص واليونان، من خلال خط الأنابيب المعروف باسم (إيست ميد) لنقل 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًّا، إلا أن خيار تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا هو الأسرع والأقل تكلفة، من خلال مد خط أنابيب تحت البحر من حقل ليفياثان إلى الساحل الجنوبي لتركيا والتي تمتلك شبكة ضخمة من الأنابيب التي تربطها بأوروبا وإمكانية نقل 16 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا بتكلفة أقل بكثير.
لم يقتنع المراقبون، بسياسة إسرائيل التي تسمى «النأي بالنفس» عن الحرب الأردوغانية في المتوسط، ولم يفهم أحد لماذا الصمت المطبق في إسرائيل حول الاتفاقية الإخوانية بين أردوغان والسراج، والتي أغضبت أوروبا والعالم، فراح البعض يتحدث عن احتمال وجود اتفاقية إسرائيلية تركية سرية، تم اعتمادها في الغرف الخلفية، تسمح لأردوغان بتوقيع الاتفاق مع السراج، وإثارة مخاوف أوروبا والعالم، وقلب المتوسط رأساً على عقب، مقابل مد خط الغاز الإسرائيلي، عبر تركيا، في مرحلة ما بعد الهدوء وعودة الاستقرار إلى المتوسط.