الملياردير الفقير!.. بقلم: رشاد أبو داود

الملياردير الفقير!.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

الجمعة، ١٧ يناير ٢٠٢٠

لو كنت هناك لما صدقت ما ترى. شاب يرتدي بنطالاً داكن اللون وقميصاً رمادياً تحت سترة داكنة، يتسوق ومعه زوجته في متجر كوستكو بمدينة «ماونتن فيو»، خلال فترة الأعياد لشراء تلفزيون بسعر مخفض، عربتهما كانت فارغة، ويبدو أنهما وصلا متأخرين أو أنهما حددا شيئاً واحداً فقط لشرائه، جهاز تلفزيون!
إنه مؤسس موقع «فيسبوك»، مارك زوكربيرغ ابن الـ 35 عاماً، أحد أغنى أغنياء العالم الذي تصل ثروته إلى 80,7 مليار دولار، إلا أن ذلك لا يمنعه من التمتع بثروته بطريقة اقتصادية، والتسوق في موسم الأعياد حين تسود وبشكل كبير عروض التخفيضات،
لكن ماذا يريد زوكربيرغ من هذه المليارات وكيف ينفقها؟
معروف عنه أنه يعيش هو وزوجته وابنتاه حياة بسيطة، يحب السيارات الرخيصة نسبياً، إذ تمت مشاهدته وهو يقود سيارة Acura TSX، وهوندا فيت، والتي تقدر قيمتها بأقل من 30 ألف دولار، وسيارة فولكس فاجن جولف.
هناك شيء واحد لا يبدو أن زوكربيرج يمانع في شرائه بكثرة، وهو العقارات، ففي مايو2011، اشترى منزلاً مساحته 5000 قدم مربعة، في بال والتو مقابل 7 ملايين دولار. وفى العام التالي، بدأ زوكربيرج شراء العقارات المحيطة بمنزله، حيث أنفق أكثر من 30 مليون دولار لشراء أربعة منازل، مع خطط لتسوية هذه المنازل وإعادة بنائها.
كما اشترى منزلاً مساحته 5500 قدم مربعة في عام 2013، ودفع ما يزيد على مليون دولار من عمليات التجديد، وفى عام 2014، أنفق 100 مليون دولار على اثنين من الممتلكات في جزيرة كاواي، أحدهما مزرعة قصب سكر تبلغ مساحتها 357 فداناً، وشاطئ من الرمال البيضاء. وكان أحدث ما اشتراه في هذا المجال، اثنين من العقارات المطلة على بحيرة تاهو بكلفة 59 مليون دولار. يذكر أنه عندما يشترى زوكربيرج العقارات، فإنه يميل إلى شراء المنازل الأخرى المحيطة بها لأسباب تتعلق بالخصوصية.
في سبتمبر عام 2017 قال إنه يعتزم بيع ما بين 35 إلى 75 مليون سهم من أسهمه في فيسبوك، بما يساوى من 6 مليارات إلى 12 مليار دولار، على مدار 18 شهراً لتمويل مبادرة «تشان زوكربيرج»، وهي مؤسسة خيرية أسسها مع زوجته في عام 2015 تركز على «التعلم الشخصي، وعلاج الأمراض، وربط الناس، وبناء مجتمعات قوية».
ويعتقد زوكربيرج أن مؤسسته غير الهادفة للربح ستساعد في تسريع الأبحاث لعلاج المرض، ويقول إنه في المستقبل: «سنتمكن بشكل أساسي من إدارة أو علاج جميع الأشياء الرئيسية التي يعانى منها الناس ويموتون منها اليوم».
تذكرنا سيرة زوكربيرغ بقصة المهراجا الهندي جاي سينغ حين ذهب العام 1920 إلى لندن، ورغم ثرائه الفاحش لكنه كان يرتدي ملابس عادية، ولم يكن يصطحب معه حاشيته مر صدفة على معرض سيارات رولز رويس الفاخرة. دخل المعرض وسأل عن سعر السيارة فظن البائع أنه هندي فقير بسبب ملابسه العادية، فسخر منه بسبب دخوله المعرض، فأهانه الموظفون وطردوه.
تقول الحكاية إن المهراجا غضب كثيراً بسبب ما تعرض له من معاملة مهينة، وقرر أن ينتقم لكرامته، أرسل خادمه ليخبر مدير المعرض أن المهراجا قادم، ذهب هذه المرة بكامل أناقته وبهرجته، استقبله مدير المعرض وفرشوا له السجاد الأحمر، اختار ست سيارات ودفع ثمنها نقداً بالإضافة لتكلفة شحنها إلى بلده في الهند. عند وصول سيارات الرولز الست بدأ انتقامه، فأمر باستخدامها في نقل القمامة وتنظيف الشوارع. انتشر الخبر ووصل إلى معظم الأثرياء وما لبثت أن تأثرت سمعة هذه السيارات الفاخرة في أنحاء العالم.
وبالتالي تأثرت أسهم الشركة وتراجعت أرباحها إلى الحضيض، وأصبح الأثرياء يخجلون من اقتناء سيارة تستخدم لنقل القمامة، ففقدت قيمتها باعتبارها سيارة الأثرياء. أدركت الشركة مدى المشكلة التي تسبب بها موظفوها. أرسلوا خطاباً إلى المهراجا يعتذرون بشدة عما حدث وعرضوا عليه ست سيارات جديدة مجاناً كنوع من الاعتذار، قبل المهراجا اعتذارهم وأمر بوقف استخدام السيارات لجمع القمامة.
العبرة ألا نحكم على شخص من مظهره أو لباسه، بل على جوهره وأفعاله. فلا سترة زوكربيرغ الداكنة تدل على أنها تخفي تحتها 80 مليار دولار ولا ملابس المهراجا العادية تدل على أن وراءها مهراجا.
* كاتب أردني