الإدارة فريق عمل... بقلم: سامر يحيى

الإدارة فريق عمل... بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٥ يناير ٢٠٢٠

كعادته بجولته التفقدية اليومية رأى مدير المدرسة كتابات سلبية على الجدار، استطاع بحنكته وبحثه الجاد معرفة الفاعل، فتواصل مع والده الذي تأكّد من صحّة ما فعله ولده، فاتصل بعامل الدهان ليعيد طلاء جدار المدرسة على نفقته الخاصة، ويقول لولده أمام الجميع، "يا ولدي إن لم تستطع أن ترفع رأسي فلا توطيّه"، هنا شعر الطالب بخجلٍ لا نظير له واستغرب الحضور حنكة المدير وحكمة الأب وتصرّفه البنّاء التي جعلت من الطالب متفوّقاً علماً وأدباً على كلّ زملائه.
إنّه الأسلوب الذي يجب أن يتّبعه المدير الناجح، الذي يستطيع تحويل خطأ موظّفٍ أو طالبٍ بغضّ النظر عن طبيعة العمل والمهام الموكلة إليه، إلى عملٍ إيجابيٍ بنّاء، وبدلاً من التهديد والوعيد استقطاب العامل ليقوم بدوره على أكمل وجه ويصحّح خطواته ويستثمر جهوده وإمكانياته في عملية ترميم ما سبّبه من ضررٍ بقصدٍ أو غير قصدٍ لمؤسسته، فالإدارة هدفها تحقيق أكبر قدرٍ من الإنتاجية في ظل الإمكانيات المتوفّرة والظروف المحيطة والبيئة التي تعمل بها، عبر التقييم والتقويم، والتصحيح والتصويب، لا العقوبة والتهديد والوعيد، وبالتالي نكون قد خطونا خطوةً فعّالة في سبيل بناء الإنسان الذي هو أساس المؤسسة وتلقائياً المجتمع والوطن ككل..
إن العمل الإداري سلطّة إدارية لا تسلّطاً، وعلى المدير ألا يركزّ على الروتين الورقي والكرسي الجالس عليه، ويتجاهل استثمار جهود أبناء مؤسسته ومواردها لتفعيل وتنشيط العملية الإنتاجية ومضاعفة الأداء، فدورات التدريب والتأهيل والنقاش والحوار يجب أن تكون من صلب عمل العامل، تنطلق من أرض الواقع، وطبيعة العمل، بعيداً عن شعارات المساواة متجاهلين العدالة، وبعيداً عن النظريات الخلّبية التي وضعها أشخاص قد ينتمون لعصرٍ أو بلدٍ أو مكانٍ ما، ونتجاهل أنّ لكلّ مكانٍ طبيعته وبيئته وخصوصيته..
 دور الإدارة في مكافحة الفساد ليس معقّداً ولا مستحيلاً، لأنّ مجرّد تفعيل دورها في تطوير الأداء سنجد تلقائياً قد كافحنا الفساد، وما تبقى مسؤولية الجهات الرقابية والمتخصصة، فدور المدير التساؤل والحوار مع العاملين لديه، فكلّ موظّف تمرّ عليه قصص وإيجابيات وسلبيات وأخطاء واقتراحات ورؤى، لا تعجزه أن يناقشها مع المدير الأعلى من أجل البحث بأفضل الحلول والوصول لأسهل الطرق لتسهيل العمل ومضاعفة الأداء والاستثمار الأمثل وتلقائياً قضينا على الكثير من مصادر الفساد وثغراته. أما المدير الذي لا يستمع لموظّفيه وآراءهم وما يتعرّضون له لابتكار أسلوبٍ أفضل، يكون مثل الطبيب الذي يشخّص المرض ويصف الدواء المناسب، إن لم يستفد في كلّ مرّة من رؤاه وخبراته واختلاف طبيعة مرض كلّ شخصٍ وعمره وبيئته وما يناسبه من الدواء، سيكون طبيباً روتينياً ضمن سير الحياة الطبيعية دون تفوّق ولا نجاحٍ حقيقيٍ بنّاء، فالمدير دوره التشخيص والنقاش والحوار واستنهاض الهمم والتزوّد بالمعلومات وتزويدها بآنٍ معاً، والإدارة هي فريق عملٍ وليس مجرّد شخص يجلس على كرسي، وسر نجاح الإدارة الحقيقي اعتمادها على العلاقات العامة الفاعلة والحقيقية المنتجة التي هي سرّ نجاح العمل الجماعي والتواصل بين المؤسسة وجمهوريها الداخلي والخارجي، دون أن نكرّر أنفسنا وبالتالي نتأخر لا مجرّد نراوح في مكاننا..
إن الإداري الجيّد لديه القدرة والإمكانية لاستنهاض جميع أبناء مؤسسته بالقدر الأسمى، والتخاطب بأسلوبٍ يستثمر كل فكرةٍ تطرح، واستخدام الحنكة والحكمة لتطوير الأداء وزيادة فاعلية الإنتاج، فأي مديرٍ لا يقوم بابتكار سبيلٍ جديدٍ ضمن القوانين والقواعد الناظمة، والهيكل التنظيمي لأداء مؤسسته، فهو مديرٌ فاشلٌ، حتى وإن حققّت مؤسسته ربحاً عادياً، لأنّ الأداء الفاعل يؤدي لتحقيق ربحٍ فاعلٍ وإيجابي لصالح المؤسسة والوطن، أنّى كان، خدمي، ثقافي، اقتصادي، إلى ما هنالك، ويحوّل كل نقطة ضعفٍ إلى نقطة قوّة واستثمارٍ أمثل.
إن سوريتنا لديها من القدرات والإمكانيات ما يحتاج لاستنهاضٍ من قبل كلٍ منا، والمسؤولية تقع على كاهل الموجودين في المناصب الإدارية بغضّ النظر عن دور ومكانة كلٍ منهم، وإنّ تحميل المسؤولية للآخر جزءٌ كبيرٌ جداً من فشله هذا المسؤول، لأنّ المدير الذكي والمحنّك قادرٌ على تجاوز كل التحديات واستثمار كل المقدّرات المتاحة للمؤسسة، ولنا خير مثالٍ في ذلك الجيش العربي السوري رغم محاول إضعافه وتكالب إرهابٍ دوليّ ضدّه، وقيادةٍ سياسية برغم كل الحصار والتحديّات والمعوقات التي تفرض عليها، وبالتالي علينا أن نكون على قدر المسؤولية لا تحميل المسؤولية، أوفياء لدماء شهدائنا وعرق أبنائنا لا نتلطى خلف بطولاتهم وصمود شعبنا، لتمرير مصالحنا الشخصية على حساب الوطن وأبنائه.