زوبعة دستورية في واشنطن حول «عملية سليماني».. بقلم: دینا دخل اللـه

زوبعة دستورية في واشنطن حول «عملية سليماني».. بقلم: دینا دخل اللـه

تحليل وآراء

الخميس، ٩ يناير ٢٠٢٠

أثارت عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ورفاقه ضجة غير مسبوقة على مستوى المنطقة والعالم، وما يهمني هنا هو النقاش الدائر في الأيستابلشمنت الأميركي حول قانونية العملية بالنسبة لدستور الولايات المتحدة.
نظمت هذه «الزوبعة الدستورية» السيدة نانسي بيلوسي زعيمة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب. حيث اتهمت الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه «استخدم القوة العسكرية ضد إيران من دون التشاور مع الكونغرس» أي أن هناك انتهاكاً للدستور.
اذاً هل جاء اغتيال سليماني قانونياً وفق الدستور الأميركي؟ سؤال أصبح موضوع نقاش كبيراً بين المحللين والخبراء الدستوريين في الولايات المتحدة. أعطى الدستور الأميركي للكونغرس سلطة إعلان الحرب، والتفويض برد الاعتداء والاستيلاء على السفن والبضائع، ووضع قواعد تتعلق بالاستيلاء على غنائم في البر والبحر. (المادة 1 الفقرة 8)..
أما الرئيس فهو القائد الأعلى لجيش وبحرية الولايات المتحدة، ولميلشيات مختلف الولايات عندما تدعى إلى الخدمة الفعلية لدى الولايات المتحدة. وله أن يطلب الرأي الخطي للموظف الرئيسي في كل من الوزارات التنفيذية. (المادة 2 الفقرة 1).
فمنذ القرن التاسع عشر أصبحت الولايات المتحدة تدخل في صراعات عسكرية بناء على قرار الرئيس وحده بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة بهدف حماية الأمة من أي اعتداء، وغالباً ما كانت مبادرات الرئيس متوافقة مع الرأي العام الأميركي وبهذا تصبح موافقة الكونغرس شكلية. ولكن مع حلول منتصف القرن العشرين أخذ إعلان الرئيس حالة الحرب منفردا يتعاظم، ففي عام 1950 قرر الرئيس الأميركي السابق هاري ترومان إرسال القوات الأميركية إلى كوريا من دون الرجوع إلى الكونغرس. كما لم يوافق الكونغرس على التدخل الأميركي في حرب فيتنام إلا بشكل لاحق. ولكن بعد المأساة الأميركية في حرب فيتنام وفضيحة «ووتر غيت» قرر الكونغرس إيجاد آلية جديدة تمكنه من رقابة أكبر على سلطات الرئيس المتعلقة بالحرب إذ تم إقرار «قانون سلطات الحرب – War Powers Act» في 1973.
ويهدف هذا القانون إلى التنسيق بين سلطات الرئيس والكونغرس المتعلقة بالحرب. فالقانون يلزم الرئيس في حال إرسال قوات أميركية إلى بلد أجنبي بأن يستشير الكونغرس مسبقاً إذا كان بالإمكان، والرئيس ملزم بتقديم تقرير إلى الكونغرس خلال 48 ساعة محدداً الأسباب والظروف التي استدعت لهذا التصرف، وهذا ما فعلته إدارة ترامب حسب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي قال: «إن إدارة الرئيس ترامب بدأت بإطلاع قادة الكونغرس على المبررات الأميركية ووعدت بإبقائهم مطلعين بشكل كامل، «لأنه اعتبر أن: لدى الإدارة كل السلطة التي تحتاجها لتفعل ما قامت به حتى الآن».
بعد ذلك يكون أمام الرئيس ثلاثة خيارات:
1- إما ألا يعمل شيئاً وبهذا يكون له الحق في استمرار العمل العسكري لمدة 60 يوماً مع قابليته للتجديد 30 يوماً.
2- موافقة الكونغرس على العمل العسكري وبذلك يمكن أن يستمر العمل إلى ما لا نهاية.
3- وإما أن يصوت الكونغرس بمجلسيه ويأمر بسحب القوات الأميركية.
لكن الكونغرس لا يعارض الرئيس عادة في هذا المجال حفاظاً على هيبة الرئيس ومن ثم هيبة الولايات المتحدة. وإن حدث أن اعترض الكونغرس فإن الرئيس لا يأبه لهذه المعارضة. ففي أيلول 1994 أرسل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون القوات الأميركية إلى هاييتي من أجل إعادة الرئيس المخلوع أرستيد إلى منصبه رغم معارضة الكونغرس. وتجاوز الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الكونغرس عندما أمر بضربات عسكرية على ليبيا عام 2011، وقد فعل ترامب الشيء نفسه عندما أمر مرتين بضربات صاروخية على أهداف للحكومة السورية.
وإذا كان قانون سلطات الحرب 1973 قد وجد لتقويض سلطة الرئيس في الأمور العسكرية فهناك تشريع آخر «التفويض باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين – Authorization for Use of Military Force Against Terrorists» أقره الكونغرس في 14 أيلول 2001 بعد هجمات 11 أيلول. وهو يعطي الإذن للرئيس الأميركي لاستخدام القوة العسكرية اللازمة والمناسبة ضد الإرهابيين. وبالرغم من اعتراف إدارة ترامب بأن إيران لا علاقة لها بهجمات 11 أيلول 2001، إلا أن الرئيس الأميركي صنف فيلق الحرس الثوري الإيراني بأنه جماعة إرهابية في نيسان 2019 وهو ما أشار إليه في إعلان البيت الأبيض عن عملية الاغتيال.
هذه التباينات الحادة بين السلطتين التشريعية (الكونغرس) والتنفيذية (الإدارة) ليست جديدة، إلا أنه في أغلب الأحيان ما يؤيد الحزبان الديمقراطي والجمهوري العمليات العسكرية الكبرى التي تشنها القوات الأميركية في الخارج، لكن هذا التوافق تلاشى في السنوات الأخيرة كما أظهرت عملية اغتيال سليماني.