أولويات وطنية.. بقلم: سامر يحيى

أولويات وطنية.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٧ يناير ٢٠٢٠

يحكى أنّ أحد الحكّام أمر بوضع صخرة كبيرة على طريقٍ رئيسٍ، ليرَ ردّة فعل المارّة، ففوجئ بأنّ هناك: من شتم، وسبّ، ومن هدّد برفع الأمر للسلطات العليا، ومن لم يعر انتباهاً لوجود الصخرة أصلاً، ومن يشتم البلد ويعتبره سلبياً ولا يستحق العيش فيه، إلى أن مرّ عاملٌ بسيطٌ فحاول إزالة الصخرة فكانت ثقيلة فاستعان ببعض الشباب حوله، ويداً من هنا ويداً من هناك تشجّع الكثير ممن كانوا في الموقع حتى أزالو الصخرة وفتح الطريق، ليفاجأ الجميع بالحاكم يأتي ليكافئ الرجل على مبادرته، لأنّه السبب في إثارة الحماس وتفعيل فريق عملٍ.  
هذه العبرة تتطلّب أن يبدأ كل منّا بنفسه، ليجد أن الدائرة تتّسع والمحيط حوله بدأ ينشر الأفكار، وإن كانت الأفكار الفردية نتائجها بطيئة، لكن بالتعاون والتعاضد مع المؤسسات المتخصّصة بالتأكيد هو الأولوية، ولا سيّما أن الشعب السوري عاطفي، ويتفاعل مع أيّ مبادرةٍ وطنية وقد شهدنا ذلك في الكثير من المراحل والظروف، وحتى السوري في بلاد الهجرة نراه أول من يلتزم بالقانون دون أن يوجّهه أو ينبّهه أحد، ولكنّه يحب الالتزام وتجنّب التعرّض للمساءلة، وبالتالي نحتاج استنهاض هذه العاطفة وهذا الدافع الضمني لاحترام القانون لدى الجميع من أجل النهوض بوطننا...
من الطبيعي أن تصدر المؤسسة قراراً لتنظيم عملٍ ما، أو فرضٍ قانونٍ ما، ولكن الأولوية هي توفير البيئة المناسبة لتطبيق هذا القرار والقانون على أرض الواقع، بالشكل الأمثل.  
من الطبيعي أن لدينا مؤسسات كلّ منها له تخصص، وضمن كل مؤسسة تخصص ضمن نطاق عملها، ولكن الأولوية دراسة جديّة فاعلة للخطط التكتيكية والاستراتيجية لتنفيذ الموازنة الرقمية والورقية والواقعية بآنٍ معاً، وإدارة كل الرؤى والأفكار لدى أبناء المؤسسة وصولاً للتنمية المستدامة والأداء الأمثل واستكمال كل متطلّبات إعادة الإعمار والبناء للحجر والإنسان على حدٍ سواء.
من الطبيعي تنفيذ بنود الموازنة ضمن الخطّة المقررّة لها، لكن الأولوية البدء من بداية العام بدراسة كلّ بندٍ والاحتياجات الحقيقة الفعلية، والاستثمار الأمثل لكلّ بندٍ فيها، لا مجرّد صرفه لاستكمال الموازنة.
من الطبيعي تزيين الشوارع والساحات احتفاءً بالمناسبات، لأنّ سوريتنا استطاعت الصمود في وجه الإرهاب والحصار وتستحق أن ترتدي أجمل الثياب، ولكن الأولوية هي إنارة طبيعية للشوارع الرئيسية والأنفاق والجسور وحتى الحارات وتنظيف الشوارع والأرصفة وترميمها باستنهاض همم الجميع، كالمعسكرات الإنتاجية لطلبة المدارس، والخبرات والأبحاث والأعمال التطبيقية لطلبة الجامعات كلٌ ضمن تخصصه، والمسؤولية المجتمعية الملقاة على كاهل القطّاع الخاص، باعتبار القطّاع العام الهدف الأساسي من وجوده خدمة المجتمع وتلبية متطلّباته حسب المهام الملقاة على كاهله.
من الطبيعي في ظل الحصار والإرهاب أن تتعرّض موارد الطاقة للنقص وانقطاع التيّار الكهربائي، ولكن الأولوية هي استغلال جهود الإمكانيات المتاحة والمتوفرة لدى أبناء الوطن وخبراتهم، لتوفير تلك الموارد بالطريقة الأمثل التي تساهم في تنشيط عجلة الإنتاج وزيادة فاعلية الأداء المؤسساتي والخدمي والإنتاجي، وتلقائياً نجد أنفسنا تحديّنا الحصار والإرهاب.
من الطبيعي منح العامل إجازةً يرتاح بها من عناء العمل، والتي خلالها توفّر المؤسسات الحكومية موارد الطاقة ووسائل النقل وما إلى هنالك، لكن الأولوية هي استثمار جهود العامل وأدائه ومضاعفة الأداء وتقديم الخدمات والإنتاج بأفضل ما يمكن....التي تحقّق القدر الأعلى من تخفيض النفقات ومنع الهدر بحكمة وطنية.
من الطبيعي تسلّم المدير من سلفه المكتب والكرسي وإدارة المؤسسة، ولكن الأولوية هي البحث عن الإيجابيات والسلبيات، ودراسة مبدئية لكل الملفّات، بما يساهم بالانطلاق بقوّة بالمؤسسة وبالتالي تلقائياً سيجد نفسه حافظ على كرسيّه وحقق مصلحته الشخصية في إطار مصلحة مؤسسته والتي تلقائياً مصلحة الوطن.
من الطبيعي توطين الرواتب عبر الصرّافات الآلية، ولكن الأولوية إيجاد البنية التحتية الكفيلة بأن يقبض كل مواطنٍ راتبه فور نزوله، عبر تفعيل كافّة الصرّافات وتوفير الصيانة والتعبئة باستمرارية، وتفعيل عملية التقاص بين المصارف التي تمتلك صرّفات، ليتمكّن المواطن من قبض ما يحتاجه، وبالتالي نشجّع حتى المواطن العادي الذي تتوفّر لديه السيولة لوضع أمواله بالبنوك بدلاً من حملها باليد.
من الطبيعي تطوير المناهج الدراسية والوسائل التعليمية، ولكن الأولوية هي توفير الظروف المناسبة والبنية التحتية والخدمات الواجبة وتأهيل المدرّسين لتحقيق الاستفادة الحقيقية والفاعلة والاستثمار الأمثل لهذه العملية التطويرية.
من الطبيعي أن يصرّح المسؤول، ولكن الأولوية أن يكون ملمّاً بكل تفاصيل ما عليه أن يصرّح به ليكون ذو مصداقية وواقعياً قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع يستقطب الجمهور لصالح مؤسسته ووطنه.  
احتياجات المجتمع طبيعية ومستمرة ومحقّة، وبدلاً من انتظار الروتين علينا العمل وفق آلية جديّة، فعقارب الساعة تدور، ولكن كل له دوره، ولا يمكن لعقرب الثواني استباق عقرب الدقائق، ولا لعقرب الدقائق استباق عقرب الساعة، لذلك نرى الساعة تسير بدقّة وانتظام ونلمس آثارها مباشرةً، فتنظيم أهدافنا وخططنا والبدء بوضع الأولويات هو السلّم الحقيقي للنهوض بمؤسساتنا، اعتماداً على الذات، ووضع الخطط الآنية والمتوسطة والمستقبلية للوصول لإعادة إعمارٍ شاملةٍ بعيداً عن التنظير والتبرير وتحميل المسؤولية لظرفٍ أو شخصٍ.....إلخ...