ما بعد التشييع لن يكون كما قبله.. بقلم: رفعت إبراهيم البدوي

ما بعد التشييع لن يكون كما قبله.. بقلم: رفعت إبراهيم البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٦ يناير ٢٠٢٠

نعترف وبكل شجاعة بأن اغتيال القائد قاسم سليماني الشخص الأكثر تأثيراً على الصعيدين العسكري والسياسي في المنطقة، شكل ضربة معنوية شديدة لمحور المقاومة، لكن مسار الأمور وسيرة التجارب يؤكدان أن جسم المقاومة ومحورها لن يتضرر كثيراً، كما أنه سيبقى محافظاً على تماسكه وقوته، خصوصاً أننا تعودنا على استمرار تعويض القادة وتوارث الإستراتيجية المرسومة.
إيران سجلت في الآونة الأخيرة أهدافاً عدة في المرمى الأميركي على صعيد المنطقة، ما جعلها لاعباً بارزاً لا يمكن تجاوزه بسهولة بعد تمكن طهران من الإمساك بمفاتيح اللعبة الإقليمية بحنكة ودهاء، رغم الضغوط السياسية والاقتصادية الهائلة التي تمارسها أميركا على إيران.
وإذا ما أخذنا بالاعتبار انحسار تأثير الدور الأميركي وظهور الولايات المتحدة بصورة المنكفئ عسكرياً عن المنطقة، فإن ميزان القوى مال وبشكل واضح لصالح محور المقاومة المدعوم إيرانياً في كل من سورية واليمن ولبنان والعراق وغزة.
ظن الأميركيون أن اغتيال القائد قاسم سليماني سيكسر شوكة محور المقاومة ويصيبه بالانهيار كما يصيب إيران بالإرباك وإعادة الحسابات، وان هكذا اغتيال سيقلب الأوضاع في كل من سورية والعراق واليمن، واستطرادا في المنطقة برمتها، ما يمكّن أميركا من تعديل ميزان القوى ويؤهلها الانتقال إلى مرحلة جديدة تفرض واقعاً ملائماً لصالح الأميركي والإسرائيلي.
لكن إيران أثبتت أنها ولادة علماء وقيادات ناجزة وفريدة على كافة الصعد العلمية والسياسية والعسكرية، لأن إيران قوية بمنظومتها الإستراتيجية المتماسكة، كيف لا وهي التي خاضت حرباً دفاعية كونية مع العراق لأكثر من ثمانية أعوام، فصمدت وخرجت منها أكثر تماسكاً وقوة ومنعة بسرعة زمنية لافتة، وبقدرات ذاتية أضحت القوة العسكرية المتطورة التي تقارع الدول العظمى، ورغم العقوبات الجائرة اعترف العالم بإيران النووية، أما على الصعيد السياسي فإن إيران راكمت نفوذاً استراتيجياً في منطقة غرب آسيا جعل منها حجر الزاوية في رسم معادلات وتعديل ميزان القوى في الصراع مع العدو الإسرائيلي والأميركي في المنطقة امتداداً حتى روسيا والصين، الأمر الذي مكنها من الجلوس على طاولة واحدة مع الدول الخمس الكبرى والفوز بما عرف بالاتفاق النووي الإيراني، لا نقول هذا إلا احتراماً للتاريخ.
في عرض موجز لمسلسل اغتيال القيادات نقول: في عام 1981 تم اغتيال آية اللـه البهشتي الرجل الثاني في إيران وسبعين من قادة الحزب الجمهوري الإسلامي، في تفجير مدبر، كما اغتيل فيما بعد رئيس الجمهورية محمد علي رجائي ورئيس الوزراء حجة الإسلام باهونار، وبقيت إيران متماسكة ولم تهن ولم تسقط، واستمرت في ثبات وتصميم على بناء دولة المؤسسات المنتجة لقيادات إستراتيجية.
في لبنان وتحديداً فيما يخص المقاومة وتحديداً حزب اللـه، فإننا نستعيد بالذاكرة مسلسل اغتيالات قاده كبار نفذتها إسرائيل ظناً منها بإنهاء المقاومة وكسر شوكتها، ففي عام 1992 عندما اغتيل السيد عباس الموسوي، قيل وقتها إن ذراع إيران في لبنان قد قطعت، وإن حزب اللـه قد انتهى، لكن لننظر ما حصل بعدها لحزب الله؟ فقد ازداد في عهد الأمين على العهد والبوصلة حسن نصر اللـه، إيماناً وتصميماً وقوة وقدرة حتى أضحى قوة إقليمية يشهد لها، محققاً في العام 2000 انتصاراً بائنا لم تعهده من قبل على العدو الإسرائيلي الذي اجبر على الانسحاب من لبنان مجرجراً أذيال الهزيمة والخيبة ومن دون إبرام أي اتفاق مع لبنان، أما العام 2006 فكان عام انتصار المقاومة الكبير ملحقة بجيش العدو الإسرائيلي الهزيمة والخيبة وباعتراف العالم اجمع.
في محاولة لإحباط عزيمة المقاومة وحزب اللـه في لبنان نفذت أميركا وإسرائيل عملية اغتيال قائد حزب اللـه العسكري عماد مغنية 2008، وأيضاً القائد الذي نجح بالتحليق بطائرة مسيرة من صنعه فوق فلسطين حسان اللقيس عام 2013، وبعده اغتيل القائد سمير القنطار في العام 2015، وتلاه اغتيال القائد مصطفى بدر الدين في العام 2016 والعديد من القادة، لكن حزب اللـه اكتسب خبرة أكبر واثبت فاعليته في سورية ولبنان كما أكد أنه حزب مؤسساتي منتج لقيادات متتالية ليصبح قوة مقاومة إقليمية بامتياز محققاً توازن قوة الردع مع العدو الإسرائيلي.
الأميركيون يتصرفون بعقلية رجعية أثبتت عقمها، فهم يصدقون تقارير أتباعهم التي تتحدث عن ضرورة اغتيال شخصية مهمة ومؤثرة بهدف إنهاء مرحلة لتبدأ معها مرحلة أخرى تنتج ظروفاً ملائمة تتيح لها الفرصة بتغيير قواعد الاشتباك وتعيد تفعيل الدور الأميركي من خلال الحضور والهيبة العسكرية الأميركية والدفع باتجاه تنفيذ ما يخدم مصالحها وبالقوة، وهذا لا يعني أن إيران ستتهور، لكن الأميركي سيكتشف أن حساباته كانت خاطئة، وسيكتشف أن من اتخذ قرار اغتيال سليماني ارتكب الفاحشة السياسية والعسكرية على مستوى المنطقة.
اعتقد ترامب بقرار اغتيال القائد قاسم سليماني أنه حقق نجاحا يضمن له استعادة الدور الأميركي في المنطقة، كما يضمن له أصوات اللوبي الصهيوني في الانتخابات الرئاسية القادمة، لكن ترامب نسي أنه باغتيال سليماني قد كسر كل القواعد وأزال كل الخطوط الحمراء بعد أن تجرأ على خدش الهيبة الإيرانية التي تعتبر من المحرمات التي لا تدخل دائرة المساومة ولا يمكن التهاون ولا التسامح مع كل من يتجرأ على الهيبة الإيرانية، كما أن ترامب بفعلته الشنيعة قد أهدى إيران هدية إلهية تمنحها القوة وفضاء واسعاً لا يحدّه شيء سوى استعادة الهيبة والكرامة الإيرانية تترجم برد قاس وحاسم آتٍ لا محالة.
إن الرئيس أميركي دونالد ترامب قد وضع مستقبل الوجود الأميركي في المنطقة في مهب الريح وسيكتشف أن مستقبله في البيت الأبيض من عدمه قد بات رهن قرار طهران وحدها.
صحيح أن إيران أدارت ظهرها لكل الوساطات وردت كل المبعوثين والوسطاء بخفي حنين، بيد أن إيران وعلى لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف أكثر الدبلوماسيين اعتدالا في طهران قال: إن اغتيال سليماني هو بداية نهاية الوجود الشيطاني في المنطقة.
سماحة الأمين العام لحزب اللـه وفي يوم التشييع، قال: باغتيال قاسم سليماني دخل كل محور المقاومة مرحلة جديدة، ولأن أميركا هي التي أرادت إدخالنا في هذه المرحلة وليس نحن، فعلى أميركا وجيوشها في المنطقة تلقي القصاص العادل، وإن القصاص لن يكون عادلاً إلا بخروج القوات الأميركية من منطقتنا.
الجنرال إسماعيل قاآني، خليفة الحاج الشهيد سليماني وفي كلمة متلفزة قال: انتظروا بعد التشييع وسترون الصناديق الخشبية ملفوفة بالعلم الأميركي تعود إلى ترامب محملة بجنوده.
سماحة الإمام علي خامنئي ولأول مرة، تقصد ترؤس اجتماع قادة الأمن القومي الإيراني، مستهلاً الاجتماع بكلمات أربع فقط قائلاً «أريد رداً حاسماً إستراتيجياً».
نقول: إن مرحلة ما بعد التشييع لن تكون كما قبله.