الفرح الحزين في مهد المسيح.. بقلم: رشاد أبو داود

الفرح الحزين في مهد المسيح.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٩

لا يزال الفرح ممكناً في الأرض الحزينة. عيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم. المرأة الوحيدة التي ذكر اسمها في القرآن مرات عديدة، وسميت سورة منه باسمها.
أم الطفل النبي الذي حملت به من روح الله وولدته يتكلم في المهد صبياً.
الإسلام كرم سيدتنا مريم وسيدنا عيسى عليه السلام، على الضد من أولئك الذين لا يعترفون إلا باليهودية ويريدون مكان مولد المسيح دولة يهودية بعد أن أقاموها عام 1948 واحتلوا مدينة الناصرة وكل مدن فلسطين.
فالقرآن الكريم يؤكد بتوليّة مريم، ابنة مدينة الناصرة في الجليل الفلسطيني، ونقائها حين أتاها الملاك يبشّرها بغلام زكيّ يولد منها: «قال إنّما أنا رسول ربّكِ لأهب لكِ غلاماً زكيّاً * قالت أنّى يكون لي غلامٌ ولم يمسَسْني بشرٌ ولم أكُ بغيّاً» (سورة مريم: 19-20).
ينفي القرآن كلّ تدخّل بشريّ في حمل السيّدة مريم للمسيح، فهو وُلد منها بصورة معجزة. حتّى إنّ القرآن يلعن اليهود الذين شكّكوا في حمل مريم البتوليّ فاتّهموها باطلاً بالزنا، فيقول: «وَبكُفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً» (سورة النّساء، 156)؛ (أي اليهود). هنا تجدر الإشارة إلى أنّ التلمود اليهوديّ يحتوي على الكثير من الروايات والقصص الملفّقة على السيّدة مريم وابنها. كما تقول بعض التفاسير.
ورد في إنجيل «لوقا» قصة ميلاد المسيح عليه السلام والتي تتفق مع ما جاء في القرآن: وكان في تلك الكورة رعاة فقراء، يقومون بحراسات الليل على رعيتهم، وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب حولهم، فخافوا خوفاً عظيماً، فقال لهم الملاك:
لا تخافوا، فها أنا أبشركم بفرح عظيم، يكون لجميع الشعب، إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح. تجدر الإشارة هنا إلى أن مدينة داود كانت تطلق على بيت لحم حيث ولد السيد المسيح.
بعد 2019 سنة على مولد السيد المسيح فإن أعداءه بالأمس هم أعداؤه اليوم. ها هم يحتلون ويدنسون مهده وكنيسته والأرض التي ولد وعاش فيها. يدعمهم قلة أوهموهم بأن المسيح لن يعود إلا إذا سيطر اليهود على الأرض المقدسة. من دون أن يجرؤ أحد على ذكر من صلب وقتل المسيح كما يعتقدون.
بلاد الشام كلها بلد السيد المسيح وتلامذته المخلصون. فهو ولد وأمه في فلسطين، وتعمد في نهر الأردن، وكان العشاء الأخير من سمك طبريا. وها هم الأقربون له يحتفلون في 25 ديسمبر من كل عام بعيد ميلاده، وهو اليوم الذي يكون فيه النهار في أقصر الوقت والليل في أطوله خلال العام.
ففي فلسطين تتعدد أسواق عيد الميلاد وتتنوّع، ليس بانتشارها الجغرافيّ والقائمين عليها مثل بلديّة رام الله، ومركز السلام - بيت لحم، وكنائس وأندية ومؤسّسات مختلفة، بإقامة أسواقها منذ بداية الشهر، عارضة احتياجات الناس في عيدي الميلاد والبربارة، متضمّنة أنشطة عدّة، من فعاليّات ترفيهيّة للأطفال، وألعاب، ومسابقات، إضافة إلى تراتيل العيد والجوقات.
تتركّز الاحتفالات بطابعها الدينيّ في مدينة بيت لحم، مهد المسيح، حيث يجتمع آلاف الفلسطينيين والحجّاج الأجانب في المدينة لحضور طقوس الميلاد في كنيسة وساحة المهد.
ما يميّز احتفالات فلسطين بعيد الميلاد أنّها احتفالات لأهلها جميعاً، مسيحيّين ومسلمين، وأنّها لا تقتصر على الطابع الدينيّ، إذ لها دلالات وطنيّة، لما تتضمّنه سيرة المسيح من آلام واضطهاد وملاحقة، تمثّل ما يعانيه الفلسطينيّون يوميّاً على يد الاحتلال.
تضيق إسرائيل الخناق على الفلسطينيين، وتحد من حرية حركتهم وممارستهم معتقداتهم الدينية، ويبقى الفلسطينيون مسلمون ومسيحيون في خندق واحد، يتشاركون الألم والأمل، ويصلون من أجل تحرير أرضهم من الاحتلال، وليعم السلام والأمان كامل التراب الفلسطيني.
قبل عدة سنوات بلغ التوحش الإسرائيلي مداه فاستشهد عدد من الشبان الفلسطينيين. دعا بعض رجال الدين المسيحيين إلى إلغاء الاحتفالات تضامناً وتأكيداً على وحدة الشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين. لكن بعضهم كان له رأي آخر: لم لا نحتفل ونتحدى الاحتلال بأننا شعب لا نهاب الموت ولكننا نتقن فن الحياة والبقاء؟». ترك الأمر لكل طائفة أن تتخذ ما تراه مناسباً.
إنها حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي. يتقنون فن الحياة ويحزنون بفرح!