تركيا ضحية أردوغان!.. بقلم:  د. وفيق إبراهيم

تركيا ضحية أردوغان!.. بقلم: د. وفيق إبراهيم

تحليل وآراء

الجمعة، ١٣ ديسمبر ٢٠١٩

منح الموقع الاستراتيجي لتركيا أهميات جذبت اليها النفوذ الاميركي – الاوروبي الذي رأس فيها جداراً يمنع تقدم الاتحاد السوفياتي الشيوعي البائد نحو المياه الدافئة وتجمع اكبر احتياطات نفطية في المشرق العربي.
فتمكنت السياسة التركية بين أربعينيات القرن الماضي وحتى التسعينيات من بناء دولة قوية متماسكة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً من خلال قدراتها الداخلية وانتمائها للحلف الاطلسي الناتو.
لكن كل إنجازاتها انما تمّت من خلال التحامها العميق بالجيوبوليتيك الاميركي الذي أنشأ فيها قواعد عسكرية تقليدية ونووية.
هناك ثلاثة عناصر تضعضع هذه المعادلة التاريخية وتدفعها الى الانهيار بما ينهي سياسات الدلال والغنج الغربية لتركيا:
الاولى انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989 الأمر الذي أفقد تركيا قسماً من أهمياتها.
لجهة العنصر الثاني، فإن اكتفاء الأميركيين بنفطهم الصخري، وتنويع الأوروبيين للدول التي يستوردون منها، أنقص بدوره قسماً من اهميات تركيا إلا ان وريثة الدولة العثمانية وضعت نفسها في خدمة مشروع اميركي لنشر الارهاب في العراق وسورية، ففتحت حدودها مع هذين البلدين لكل ارهابي اسلاموي برعاية المخابراتين التركية والاميركية بكميات تعدت مئات الالوف جرى تمويلها من الخليج باعتراف رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم الذي قال إن الاميركيين طلبوا من الخليجيين توفير هذا الدعم.
بذلك يكون السيد اردوغان أجرى تعويضاً سريعاً لتراجع دوري بلاده السوفياتي والنفطي، محتضناً الارهاب ومسترداً الاهتمام الاميركي ببلاده.
اين أخطأ اذاً السيد اردوغان؟
منذ بداية هذا القرن الحادي والعشرين بدأت تيارات تركية من الاخوان المسلمين، تتسلل الى المعادلة السياسية لبلادها، تتقدم حيناً وتتراجع حيناً آخر وسط صراع مع تنظيمات قومية وكردية، الى ان تمكن حزب العدالة والتنمية من النجاح في الانتخابات وتحويل السلطة من نيابية الى رئاسية، اصبح فيها اردوغان مشروع سلطان يريد تقليد العثمانيين.
فوضع خطة ثنائية للاستفادة من اوروبا عبر الانتماء الى اتحادها الاوروبي، والتسلل الى العالم العربي، إلا ان الاتحاد الاوروبي رفض الانتساب التركي اليه محجّماً طموحات اردوغان بتصريح من المستشارة الألمانية ميركل التي قالت إن تركيا ليست اوروبية وكفى.
هذا ما جعل اردوغان يمتطي فدرالية الاخوان المسلمين التي يترأسها حالياً حزبه العدالة والتنمية فدخل بشكل عسكري مباشر الى سورية والعراق بوسيلتين: دعم الارهاب فيهما والاحتلال العسكري المباشر لبعض مناطقهما.
ولم يتورع عن دعم حزب الاصلاح الاخواني في اليمن دافعاً الى مناوشات بينه وبين القوى المؤيدة للسعودية والإمارات في بعض محافظاته حضرموت وعدن وتعز، مفجراً توتيراً كبيراً في الصراع الدولي للهيمنة على البحر الابيض المتوسط مع مصر وقبرص واليونان و”إسرائيل”، وسط استياء اميركي منه لمحاولاته وضع اليد على ليبيا بحراً وبراً للسيطرة على إمكاناتها الضخمة من الغاز والنفط.
وطيف اردوغان موجود في الجزائر والسودان من خلال الأخوان المسلمين مع تجذر قوي في مصر التي يشكل الاخوان فيها، أقوى قوة بعد الجيش المصري.
لقد اساء اردوغان الى علاقاته بالأميركيين بموافقته في مؤتمر استانا قبل يومين على ادانة مشروع سرقة النفط السوري من شمالي شرق سورية فسارع الكونغرس الاميركي الى استصدار عقوبات سريعة على تركيا، أدت الى صدور تهديد تركي بمناقشة حاجة تركيا الى قاعدتي انجلريك وكرجياك الأميركيتين على أراضيها.
وطالبت ايضاً برفع الدعم الاميركي عن بعض القوى الطامحة الى كانتون ذاتي مستقل لها في الشمال السوري.
هذا يعني أن العلاقات التركية – الاميركية في اسوأ مراحلها، نتيجة لصراع مصالح بين سارقين اثنين يريدان السطو على الارض السورية – العراقية وما تختزنهما من غاز ونفط ويشتبكان لسلب ليبيا مقدراتها من موارد الطاقة ويعملان على السيطرة على مصر في إطار مشروعيهما للسيطرة على العالم العربي.
كما أن العلاقات الروسية – التركية تقوم على محاولات اردوغان ابتزاز موسكو في سورية، والدليل ان الوعود التي أطلقها حول سحب الارهاب من ادلب وارياف حلب لم ينفذها معتمداً على اولويات روسية تسعى لاتفاقات سياسية كبرى مع تركيا تسحبها من دوائر النفوذ الغربي، لكن هذه المعادلة لا تستقيم مع سورية التي لا توافق على أي تسويات تنتقص من سيادتها على كامل أراضيها وثروات بلادها. هذا بالاضافة الى ان الروس لا يوافقون بدورهم على أي اقتطاع لأي جزء مهما كان بسيطاً من الاراضي السورية.
ما يضيف ولادة توتر قريب بين هذه الأطراف عند بدء عملية تحرير إدلب في وقت لم يعد بعيداً.
إن استشعار تركيا باقتراب الهجوم السوري على ادلب جعلها تبحث عن تغطية لحماية هيئة تحرير الشام (النصرة) الإرهابية فيها، فاستفادت من مواقف اميركية واوروبية أبدت تخوفها على المدنيين في المنطقة، وتبنت تحذيرات اميركية من امكان استخدام القوات السورية أسلحة كيماوية في المنطقة.
ولم تكفها هذه التبريرات، فدفعت رئيس وفد المعارضة السورية في آستانا العطية الى تأكيد موافقة المعارضة السورية على الهجوم العسكري التركي في شمال سورية وشرقها والأنحاء الشمالية من الغرب.
فكيف يمكن للقيادة السورية استكمال المفاوضات مع بائعي أوطانهم؟
هناك العراق أيضاً المنزعج من احتلال تركيا لبعض اراضيه بذرائع تتعلق بمكافحة الارهاب الكردي، وما إرجاء بغداد لفتح هذا الملف، إلا لاولويات اخرى يجب ان تمنحها اولوية.
هكذا يتبين مقدار الضرر الذي ألحقه الطموح العثماني لاردوغان بتركيا، من سورية والعراق ومصر واليمن والسعودية والإمارات وليبيا وقبرص واليونان والاتحاد الأوروبي، وتتهمه الصين بإثارة بعض اقلياتها الإسلامية، محاولاً الخروج من العباءة الاميركية نحو عمامة السلاطين على متن الاخوان، فهل تؤدبه العقوبات الأميركية وتعاود جذبه الى دائرة نفوذها؟ ام يلتحق بالتحالف الروسي – الصيني؟ما يهم هنا ان سورية بصدد المباشرة بخطة تطيح بالاحتلال التركي لأراضيها، اما مشكلة اردوغان فعند شعبه الثائر على إخفاقاته.