تركيا و»الناتو».. شراكة الهيمنة.. بقلم: محمد نور الدين

تركيا و»الناتو».. شراكة الهيمنة.. بقلم: محمد نور الدين

تحليل وآراء

السبت، ٧ ديسمبر ٢٠١٩

في مقابلة مع صحيفة «الإيكونوميست» الأسبوعية الإنجليزية في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حلف الناتو بأنه «ميت دماغياً». وقد برر التوصيف بالمواقف المتذبذبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السياسة الخارجية؛ وباتخاذ تركيا، العضو في الحلف، خطوات عسكرية آحادية الجانب؛ مثل غزوها شرقي الفرات؛ لضرب «قوات الحماية الكردية». وقد أعاد ماكرون هذا التوصيف لاحقاً، وأعلن أنه لن يعتذر عنه.
قوبلت تصريحات ماكرون بانتقاد من جانب ترامب، الذي وصفها بأنها «سيئة للغاية»؛ لكن ردة الفعل الأكبر جاءت من جانب تركيا؛ حيث قال رئيسها رجب طيب أردوغان: إنه ليس الحلف؛ بل ماكرون هو الميت دماغياً. واعتبرت فرنسا تصريحات أردوغان بأنها ليست مواقف سياسية؛ بل إهانة.
على خلفية هذه الحرب الكلامية، عقد حلف «الناتو» اجتماعاً في لندن قبل أيام قليلة؛ بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيسه.
بوادر الأزمة الدبلوماسية بين فرنسا وتركيا لا تلغي حقيقة أن العلاقة بين تركيا وحلف شمال الأطلسي أقوى بكثير من أية أزمة يمكن أن تنشأ داخل الحلف، كما أن العلاقة بين أعضاء الحلف فيما بينهم لا تزال قوية ومتينة على الرغم من كل التصريحات والمواقف المعاكسة.
رغم اختلاف الظروف؛ فقد تمردت فرنسا على الحلف في عهد الرئيس التاريخي شارل ديجول، الذي انسحب من الجناح العسكري للحلف؛ لكن فرنسا عادت لاحقاً إلى الحلف الذي توسع للغاية؛ بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وأصبح يضم اليوم 29 دولة.
ولقد حاولت أوروبا بعد انتهاء الحرب الباردة تشكيل منظمة عسكرية بديلة عن حلف الناتو؛ بحجة انتهاء التهديد السوفييتي، وتفكك حلف وارسو؛ لكن الهيمنة الأمريكية على الحلف حالت دون ذلك. وبقيت أوروبا حتى اليوم ماضية رغماً عنها في ركاب واشنطن، رغم أن الحلف يضم دولتين فقط من خارج أوروبا؛ هما: الولايات المتحدة وكندا فيما
ال27 دولة الباقية من أوروبا.
يشكل وضع تركيا داخل حلف «الناتو» وضعاً خاصاً للغاية؛ فهي الدولة المسلمة الوحيدة في الحلف، وبذلك تنزع عن الحلف أية صفة دينية أو «صليبية» يمكن أن تُلصق به. وهو خاض معاركه الباردة في الأساس ضد دول مسيحية؛ هي دول حلف وارسو.
وبعضوية تركيا في الحلف في عام 1952 بعد ثلاث سنوات على تأسيسه، تكون تركيا العضو الأطلسي الوحيد الذي له حدود برية مع دول شرق أوسطية؛ مثل: سوريا والعراق وإيران.
ولا تخفى على أحد أهمية تركيا في الحلف ولمصالح الحلف. وهذا يفتح الباب على السياسات الخارجية والأمنية لتركيا على امتداد تاريخها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. والمفارقة هنا أن التحول التركي نحو الغرب بعد تلك الحرب كان نتيجة اعتقاد الأتراك أنهم يواجهون تهديداً من الاتحاد السوفييتي نفسه. فذهبت تركيا إلى الولايات المتحدة؛ لتعقد معها أول اتفاق عسكري في عام 1947، ومن ثم كانت مشاركة تركيا في الحرب الكورية إلى جانب الغرب ضد الشيوعية تذكرة مرور إلى عضويتها في الحلف، فيما تقاربها اليوم مع روسيا أحد عوامل بعض الخلافات بينها وبين الحلف وواشنطن.
وفي كل معارك الحلف ومهامه في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط والبحر المتوسط كان لتركيا الدور البارز فيها باعتبار أنها تخفف عن الحلف صفته العدوانية؛ كونها البلد المسلم الوحيد. وتجلى ذلك في مناطق؛ مثل: أفغانستان وليبيا. وبعدما كانت أنقرة تتساءل عن أي شأن لحلف «الناتو» في ليبيا سارعت إلى المشاركة في مهامه العدوانية لإطاحة العقيد معمر القذافي، وهي لا تزال تواصل بطريقة أو بأخرى ضمن الحلف وخارج الحلف تدخلها في الشأن الليبي.
الخلافات بين بعض أعضاء الحلف وتركيا حول العملية العسكرية في سوريا أو شراء تركيا لمنظومة «إس 400» من روسيا أو حتى حول اللاجئين السوريين، لا يغير من جوهر الدور البنيوي التركي داخل الحلف، ومن أن أنقرة تستخدم هذه الأوراق؛ لتحسين موقعها في الحلف لا الخروج منه. وتركيا ستبقى بحاجة إلى الحلف، والحلف بحاجة إلى تركيا، وكلاهما يتشاركان في مهمة واحدة؛ وهي دعم الذهنية الاستعمارية في العالم، ومنها في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.