سود أمريكا وانتخابات الرئاسة.. بقلم: د. منار الشوربجي

سود أمريكا وانتخابات الرئاسة.. بقلم: د. منار الشوربجي

تحليل وآراء

الخميس، ٥ ديسمبر ٢٠١٩

ما يحدث في ساحة المعركة الانتخابية لمنصب الرئاسة الأمريكية يكشف عن العلاقة المعقدة بين السود الأمريكيين والحزب الديمقراطي، فسباق مرشحي الحزب الديمقراطي للفوز بترشيح الحزب يفتح آفاقاً مهمة بالنسبة للسود، ولكنه يحمل أيضاً مخاطرة في المرحلة التالية من الانتخابات ذاتها، فقد أثبتت الأبحاث التي درست الحملات التمهيدية على مدى عقدين كاملين، أن أياً من المرشحين عن الحزب الديمقراطي لا يمكنه الفوز بترشيح الحزب بدون الحصول على أغلبية أصوات السود.
ورغم أن تلك المعركة التمهيدية يبدأ فيها التصويت بولايتين يشكل فيهما البيض أغلبية كاسحة، بما لا يدفع المرشحين لطرح قضايا السود، إلا أن الولاية التالية في السباق هي ساوث كارولينا، ذات النسبة المعتبرة من الناخبين السود، لذلك نشهد هذه الأيام اهتماماً واضحاً، من المرشحين، بمخاطبة الناخبين من السود، غير أن هذا الاهتمام حمل مفارقات عدة، فالمرشحان السود، كامالا هاريس وكورى بوكر، ليسا على قمة المرشحين، الذين تشير استطلاعات الرأي بأنهما يحظيان بتأييد السود، بل كانت المفارقة أيضاً هي أن أيهما لم يعط اهتماماً يذكر لقضايا السود في المناظرة الأخيرة ولم يسع لمخاطبة الناخبين السود من الشباب.
ولعل السبب وراء ذلك أن أيهما لا يريد أن يقدم نفسه باعتباره يمثل «سود أمريكا»، وهو بالضبط ما فعله أوباما حين ترشح للرئاسة، فكلاهما ينتميان مثل أوباما لتيار يمين الوسط بالحزب الديمقراطي، بينما الأغلبية من الناخبين السود على اليسار من كل منهما، غير أن هناك مفارقة أخرى تعلقت بكامالا هاريس تحديداً، ففي الوقت الذي حرص فيه مرشحان بيض، برنى ساندرز وإليزابيث وارين، على زيارة إحدى الكليات أو الجامعات السوداء تاريخياً، لما لها من مكانة ودلالة رمزية مهمة لدى السود، فإن هاريس التي تخرجت في إحدى تلك الجامعات لم تطأ قدمها أياً من تلك الكليات أو الجامعات أصلاً، فهي اكتفت بلقاء طلاب إحدى تلك الكليات في قاعة بفندق فخم، والمفارقة الأخرى التي لا تقل أهمية هي أن اثنين من البيض، برنى ساندرز وإليزابيث وارين يظلان الأكثر اهتماماً بقضايا السود وأولوياتهم.
وقد كشفت الدراسات المعاصرة أيضاً عن التعددية الواسعة بين الناخبين السود، فليس صحيحاً أن الجماعة السوداء كتلة صماء، وإنما هناك تباينات مهمة داخلها تكرست بدرجة أكبر في العقد الأخير بفعل التحولات الضخمة، التي يشهدها المجتمع الأمريكي، وفى تلك التباينات تتقاطع خطوط العمر والنوع والتوجهات الأيديولوجية، فمثلاً يميل شباب السود، مثلهم مثل غيرهم من الشباب الأمريكيين، لسياسات أكثر راديكالية مقارنة بالسود الأكبر سناً.
وهناك تباين أيضاً فى أولويات القضايا بين الرجل والمرأة، لكن يظل في تقديري هناك عامل مشترك يجمع الناخبين السود وهو التفكير، عند الاقتراع، بطريقة براجماتية، ففي مجتمع ينوء بالعنصرية الهيكلية، تفرض البراجماتية نفسها على الأقليات، ولعل هذا البعد هو المسؤول عن تأييد نسبة كبيرة من السود لجوزيف بايدن، رغم النقاط القاتمة في سجله السياسي بخصوص العنصرية، فالبراجماتية تستدعي البحث عن المرشح القادر على الفوز بترشيح الحزب وهزيمة الجمهوريين أيضاً.
لذلك، قد يتغير الموقف من بايدن إذا ما فاز غيره بترشيح الحزب، ففي الانتخابات التمهيدية التي خاضها أوباما ضد هيلاري كلينتون عام 2008، كانت أغلبية السود تؤيد كلينتون للسبب نفسه، رغم أنهم كانوا يميلون لأوباما أصلاً، لكن ما إن بدا أن أوباما سيفوز بالفعل بترشيح الحزب تغير الموقف إلى دعم لا محدود لأوباما، وبينما تسعى إليزابيث وارن لأصوات المرأة السوداء فتطرح قضاياها بكل قوة، خصوصاً الرعاية الصحية والعنف ضدها، فإن ساندز يظل أكثر من يجذب شباب السود.
كل ذلك يفتح آفاقاً لإلزام المرشحين باتخاذ موقف من قضايا السود المهمة والتعهد علنا بحلول لمشكلاتهم. لكن العلاقة بين السود والحزب الديمقراطي أكثر تعقيداً من ذلك، فطالما قام المرشح الديمقراطي يستعد لمواجهة الحزب الجمهوري، أي في انتخابات الخريف بتجاهل السود، فرغم أنه يستحيل على أي مرشح ديمقراطي الفوز بترشيح الحزب دون أغلبية أصوات السود، فمتى بدأت المنافسة بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري، فإن المرشح الديمقراطي اعتاد دوماً اعتبار أصوات السود مسلماً بها كونهم لن يعطوا أصواتهم للحزب الجمهوري الأكثر خطراً على مقدراتهم، لكن الانتخابات الرئاسية لعام 2016، أثبتت أن تلك الاستراتيجية كانت سبباً مهماً لهزيمة هيلاري كلينتون وتولي ترامب الرئاسة، فقد أحجم الناخبون السود بأعداد كبيرة عن التصويت أصلاً، الأمر الذي كلف كلينتون منصب الرئاسة، فهل سيعي الديمقراطيون الدرس؟ هذا هو السؤال.