تغيير الواقع الفلسطيني هو الحل.. بقلم: د.صبحي غندور

تغيير الواقع الفلسطيني هو الحل.. بقلم: د.صبحي غندور

تحليل وآراء

الخميس، ٢١ نوفمبر ٢٠١٩

توجت إدارة ترامب مواقفها الداعمة لليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي على رأسه نتانياهو بإعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن عدم تناقض بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة مع القانون الدولي! وجاء هذا الموقف الأميركي تبنياً رسمياً من الخارجية الأميركية لتصريحات سابقة أعلنها السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان أكثر من مرة، والتي أشار فيها لأحقية إسرائيل ببناء المستوطنات في «يهودا والسامرة»، وهو المصطلح الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية، لكن ما الجديد في الأمر إذا كانت إدارة ترامب قد قامت في السنتين الماضيتين بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبنقل السفارة الأميركية إليها وبوقف الدعم المالي لمؤسسة رعاية اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وللسلطة الفلسطينية، إضافة للاعتراف بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل، وهي القضايا التي كانت موضع تفاوض ورعاية من إدارات أميركية سابقة دون حسم الموقف الأميركي منها كما تفعل إدارة ترامب الآن.
 
قضية المستوطنات الإسرائيلية في القدس وفي الضفة الغربية ترمز إلى أمور كثيرة، فهي تأكيد على حقيقة الموقف الإسرائيلي الرافض لإقامة دولة فلسطينية ولحل الدولتين ولأي حل عادل للصراع العربي/‏الإسرائيلي، فمن يرفض تجميد بناء (وليس حتى تفكيك) المستوطنات كيف يمكن أن يقبل بالانسحاب من الأراضي المحتلة؟!
 
أليس التعنت الإسرائيلي خلال فترتي الرئيس الأميركي السابق أوباما في رفض وقف بناء المستوطنات دلالة كبيرة على مدى الضعف الدولي وعلى عدم وجود تأثير فعلي ضاغط على واشنطن يوازي الضغوطات الإسرائيلية التي تُمارس على الإدارات الأميركية؟!
 
المشكلة هي أولاً في انعدام الموقف الفلسطيني الواحد. ولعل الانقسامات والصراعات هي أفضل دعم حصلت عليه سياسات نتانياهو خلال السنوات العشر الماضية، فكم هو مهم الآن أن يتذكر العرب أن إسرائيل لم تنسحب من سيناء إلا نتيجة حرب أكتوبر عام 1973 واستخدام التنسيق العربي المشترك بأوجهه السياسية والعسكرية والاقتصادية.
 
هي فرصة كبيرة أمام الحكومات العربية لكي تعيد النظر في خلافاتها وأوضاعها على أكثر من صعيد، وبأن تجعل من الهمجية والعنجهية الإسرائيلية المدعومة من إدارة ترامب مدخلاً لتضامن عربي يفرض على إسرائيل التنازلات، ويعاقبها بالحد الأدنى سياسياً واقتصادياً، ويدفع الأطراف الفلسطينية إلى توحيد موقفها السياسي على قاعدة الجمع بين «اليد التي تحمل البندقية، واليد التي تحمل غصن الزيتون»، في جسم عربي أصبح مثقلاً بالجراح ولا يحتمل المزيد منها.
 
وبغض النظر عن الانتخابات الإسرائيلية وعمن سيشكل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فإن حقائق الصراع العربي/‏ الإسرائيلي على مدار سبعين عاماً تؤكد أن مشكلة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية لا ترتبط بشخص محدد أو بحزب ما في إسرائيل، فالجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني حدثت وتحدث بإشراف من حكومات مختلفة، بعضها ينتمي لتكتلات حزبية متطرفة في الكنيست كتجمع «ليكود» وعلى رأسه نتانياهو، وبعضها الآخر كان يتبع لأحزاب تتصف بالاعتدال كحزب العمل الذي قاد حروباً عدة على العرب خلال العقود الماضية.
 
الأمر نفسه ينطبق على الموقف من القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية وعلى الاتفاقات الموقعة مع «منظمة التحرير الفلسطينية»، ثم مع السلطة الفلسطينية، حيث لم تنفذ الحكومات الإسرائيلية المختلفة هذه القرارات أو الاتفاقيات، كما واصلت جميعها سياسة التهويد والاستيطان في القدس والضفة الغربية والجولان رغم تعارض ذلك مع القوانين الدولية، ولم تقم أي حكومة إسرائيلية حتى الآن بإعلان الحدود الدولية لـ«دولة إسرائيل»، ولا بضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين ما يجعل أساس الصراع العربي والفلسطيني مع إسرائيل مستمراً رغم تغير الأشخاص والحكومات فيها.
 
ولقد عملت إسرائيل، منذ وصول نتانياهو للحكم في العام 2009، على أن تكون أولوية الصراعات بالمنطقة هي مع خصومها لا معها، بحيث تتحقق أهداف إسرائيلية عدة لكل الاستراتيجية والمصالح الصهيونية في المنطقة والعالم، فالمراهنة الإسرائيلية هي على تهميش الملف الفلسطيني، وعلى كسب الوقت لمزيد من الاستيطان في القدس والضفة الغربية والجولان، وعلى تفجير صراعات عربية داخلية، بأسماء وحجج مختلفة، تؤدي إلى تفتيت الكيانات العربية الراهنة وتدمير الجيوش العربية الكبرى، وعلى إقامة تطبيع سياسي وأمني واقتصادي مع الدول العربية والإسلامية، فتلك الاستراتيجية ستجعل من إسرائيل قوة إقليمية ودولية كبرى في عصرٍ بدأ يتسم بالتعددية القطبية، بحيث تكون إسرائيل عندها قادرةً على فرض «شرق أوسطي جديد» يسمح لها بتحقيق الهيمنة الأمنية والسياسية والاقتصادية على كل المنطقة، بعدما تضع الحروب الإقليمية والأهلية أوزارها.
 
الواقع الآن أننا نعيش «زمناً» في كثير من الساحات العربية والدولية، يجب الحديث فيه عن مأساة الملايين من الفلسطينيين المشردين منذ عقود في أنحاء العالم، لا عن مستوطنين يهود يحتلون ويغتصبون الأرض والزرع والمنازل دون رادع محلي أو خارجي.
 
الآن، للأسف، لا أحد يضغط على إسرائيل لتحقيق المطالبة الدولية بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود العام 1967، عاصمتها القدس، ولا طبعاً بإزالة المستوطنات أو حتى بوقف الاستيطان، ولا بحل عادل لقضية اللاجئين، وهذه هي القضايا التي دار التفاوض في السنوات الماضية بشأنها، بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية، منذ توقيع «اتفاق أوسلو» في العام 1993.
 
التفاوض مع إسرائيل، قبل إدارة ترامب وبعدها، هو مراهنة على سراب، كما هو أضغاث أحلام لا جدوى منها فلسطينياً وعربياً، فما هو قائم على أرض الواقع هو وحده المعيار في أي مفاوضات أو عدمها. وتغيير الواقع الفلسطيني هو الحل وهو الكفيل حصراً بتغيير المعادلات وصنع التحولات المنشودة فلسطينياً وعربياً في الموقفين الإسرائيلي والأميركي.