الإدارة ربط العلم بالواقع...بقلم: سامر يحيى

الإدارة ربط العلم بالواقع...بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٣ نوفمبر ٢٠١٩

نتيجة جودة منتجه، ونظافته، ونكهته الرائعة، ووجهه البشوش، يبيع رجلٌ هندي ما يقارب خمسمائة قطعة فطائرٍ يومياً، استطاع من خلالها إعالة اسرته، وتدريس أولاده، حتى حصل الكبير على ماجستير في إدارة الأعمال، الذي قرّر مساعدة والده بعد فشله في العثور على فرصة عملٍ مناسبة، وأراد تطبيق نظرياته عن المبيع والأرباح والركود الاقتصادي والادخار وما شابه على عمله، فاقترح بداية أن يتم خلط 20% من الزيت القديم و80% من الزيت الجديد، الذي لم يشعر الزبائن بأي تغييرٍ، واستمرّ بنفس الحركة، لكن الطمع ورغبته بزيادة الربح، بدأ يزيد من كمية الزيت المعاد استعماله، وتخفيف السلطة وغيرها من العوامل التي يدّعي أنّها تحقّق وفراً له، مما جعل الزبائن تنفر من الشراء، فقال لوالده، هذا الذي حذّرتك منه منذ بداية عملي معك بأنّ حركة الركود الاقتصادي بدأت وعلينا التنبّه لها أكثر وأكثر، إلى أن بدأ يبيع لعابر السبيل فقط، هنا انزعج الوالد من موقف ابنه وقال له، خلال ثلاثين عاماً استطعت من خلال هذا العمل تدريسك واخوتك وتأمين متطلّبات العائلة جميعاً، الآن فقط وبأشهرٍ قليلة طردت الزبائن وسببّت لي الركود باسم العلم، فصرف ابنه وعاد يعمل كما كان في السابق، فاستعاد نسبة المبيعات لتصبح 600 قطعة فطائر في اليوم الواحد، وهنا اكتشف الوالد أن الإدارة الحكيمة والمنطقية هي التي توصل للنتيجة الإيجابية، أما تطبيق النظريات بعيداً عن محاكاة الواقع، إضافةً للشجع وحسابات الربح  والغطرسة في التعامل مع الآخر وتقديم الخدمة السيئة، سببٌ أساسي ورئيس في الأزمات التي يتحدّث عنها ابنه.
إن هذا يدعونا للتفكير أن الإدارة الجيّدة هي القادرة على إدراك حجم المخاطر وإيجاد الحلول الحقيقية ليس على حساب المؤسسة، ولا خدماتها أو انتاجيتها أو معاملتها لزبائنها والعاملين بها على حدٍ سواء، ويؤكد أنّ الإدارة ما هي إلا علمٌ يستند لقواعد وأسس وقوانين وتشريعات ونظريات ومبادئ يلزم المدير على إدراكها واستيعابها والتعامل بها، ليتمكّن من تطبيقها وفق مكانها المخصّص لها، وفنٌ يعتمد على الموهبة الشخصية والخبرة العملية والمهارة الفردية، واستنباط الحلول للمشكلات والقدرة على التعامل مع التحدّيات بحكمةٍ وحنكة، وابتكار أفضل السبل الإيجابية لتطبيق النظريات والقوانين بالطريقة الأمثل، فالدمج بين العلم والفن هو الذي يحقق النتائج الإيجابية، فالعلم دون فنٍ سيكون جماداً، والفنّ دون علمٍ سيؤدي لفوضى.
فالطبيب يخضع لممارسةٍ عمليةٍ في المشافي لتطبيق ما تلقّاه أكاديمياً، وكذلك المهندس ينفّذ مشروعاتٍ تجريبية، إلى ما هنالك، وكلّما ازدادت التجربة ازدادت الخبرة، وتوفّرت المهارة اللازمة لتطبيق النظريات والتعليمات عملياً، ويتم التمييز بكفاءة ومهارة، ليتمّكن من التمييز بين الخطأ والصواب، بين الصحيح والأصح، بين الإيجابي والأكثر إيجابية.. إلى ما هنالك.. فكيف بالعامل بالمجال الإداري الذي لا يمكن له النجاح دون تطبيق نظرياته انطلاقاً من إمكانيات الواقع ودارسته من كافّة جوانبه، والتغذية الراجعة في العمل الإداري هي الأساس الناجع الناجز لنجاح الإداري في القيام بعمله، وإدراكه المهام المنوطة به، وكل ذلك يحتاج لإدارة علاقات عامةٍ حقيقية في المؤسسة، بهدف الاستفادة من أداء ومعلومات وخبرات العامل، وتعزيز الولاء والانتماء الوظيفي والمؤسساتي، وبنفس الوقت معرفة رؤى وأفكار ورغبات المواطن لإرضائه وتلبية متطلّباته.
إنّ هذا يدعونا لتحمّل المسؤولية لا تحمليها للتشريعات والقوانين وتخفّي عدم قدرتنا على مجاراة الواقع وتحقيق الإنجازات إليها، فكلّ مؤسسة قائمةٌ على قوانين وقواعد وأطرٌ يمكن القيام بها، وتحمّل المسؤولية، وتلقائياً ستجدنا قادرين على تغيير التشريعات ووضع الأطر الجديدة انطلاقاً من تجاربنا ونتائج نجاحاتنا وخساراتنا، ونتجاهل أن صاحب المقدرة لا ينظر لقلّة الإمكانيات، إنما يبحث في كيفية استثمارها للحد الأمثل، والبحث عن البدائل الأفضل وتلقائياً سيجد الطريق المناسب لإيجاد الحل، فبقعة الشطرنج لا تتغيّر، لكنّما لاعب الشطرنج يستطيع ابتكار مئات الطرق للوصول للنجاح والتفوّق.
علينا عدم تجاهل رأس المال البشري، الذي هو الأساس الذي يؤدي تلقائياً لتغيير التشريعات والقوانين، وهذه التشريعات والقوانين جزءٌ أساسٌ من صمود مؤسساتنا، وقدرتها على تقديم الخدمات رغم الحرب الإرهابية التي تعصف ببلدنا، والفساد الذي يشكو كلٌ منا من انتشاره، فاستثمار جهود أبناء المؤسسات ضمن النطاق الموجود هو الذي يعبّد الطريق للتطوير والتحديث والوصول للهدف الأسمى لا تحميلها عبء المسؤولية.
إن رأس المال البشري هو أساس نجاح أي مؤسسّة، وعدم ارتكاز الإدارة على شخصية المدير أو موظّفٍ ما، وتجاهل الآخرين تحت مبرّراتٍ كثيرة، ما هو إلا خطأٌ فادحٌ بحق العمل المؤسساتي، لأن التعاون الجماعي يجب ألا يؤدي إلى الاتكالية ولا الفوضى، والعمل الفردي يجب ألا يؤدي للاحتكارية والأنانية.
إن دور وواجب كل إداريٍ أنّى كانت مرتبته في مؤسسته، العمل على تقديم الرؤى والأفكار الأنسب لتطوير التشريعات والقوانين، ضمن إطار عمله، وقيام الإدارات باستيعاب كل الرؤى والأفكار، ودراستها للخروج بالصيغة الأمثل والطريقة الأنجع للنهوض بالمؤسسات واستثمار جهود العاملين لديها، وإرضاء المتعاملين معها، ويلمس المواطن أنى كان نتائج عمل مؤسساته بشكلٍ آني، وتطوّر مؤسساتها والأرباح المحققة على المدى المتوسط ومضاعفته على المدى البعيد، وفاءً لدماء شهدائنا والتزاماً بتوجيهات سيّد الوطن.