قراءة في الهجمات الإسرائيلية على غزة ودمشق في ضوء الحديث عن مستقبل الشرق الأوسط

قراءة في الهجمات الإسرائيلية على غزة ودمشق في ضوء الحديث عن مستقبل الشرق الأوسط

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٢ نوفمبر ٢٠١٩

لا يخفى على القاصي والداني أن العدو الصهيوني يسعى لتطبيع علاقاته الدبلوماسية مع الدول العربية، وتقويض النفوذ الإيراني عبر دفع إدارة ترامب لانتهاج سياسة حافة الهاوية مع طهران للمحافظة على توازنات القوى في الشرق الأوسط عامة وسوريا على وجه التحديد.

العدوان الإسرائيلي الذي استهدف دمشق وقطاع غزة أمس ليس إلا غيض من فيض الهجمات التي لم تتوقف منذ انخرط العدو الصهيوني في الأزمة السورية عندما استهدف مركز البحوث العلمية في جمرايا عام 2013 وحتى اليوم

إذ يمكنني القول أن العدو الصهيوني يسعى لتسخير كل طاقاته لإخراج إيران عن سوريا، وشق صفوف محور المقاومة ومحاربة ما يسمى حسب زعمه بـ «الهلال الشيعي» الممتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان مروراً بقطاع غزة واليمن.
------------
في تقديري إن الهجمات الإسرائيلية لم تأتِ في هذا التوقيت إلا نتيجة عدة أسباب:

🔴 أولاً: إعادة سلسلة التصفيات التي تستهدف قيادات الفصائل الفلسطينية إلى الواجهة من جديد، بهدف تقويض المقاومة والحد من قوتها المتصاعدة

🔴 ثانياً: محاولة إيقاف الهجمات الصاروخية الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة خصوصاً بعدما ثبت في أيار/مايو الماضي أن منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية من «القبة الحديدية» و «مقلاع داوو» و «ثاد» و «باتريوت» متهالكة وضعيفة أمام صواريخ محلية الصنع وبالتالي باتت من الضروري إعادة النظر بنظرية الأمن الإسرائيلية برمتها

🔴 ثالثاً: الفوضى السياسية والفشل في التوافق على تشكيل حكومة ائتلافية داخل الكيان الصهيوني بعدما رفض كلاً من نتنياهو وبيني غانتس التحالف ضمن حكومة واحدة تجمع «الليكود» و «أزرق - أبيض»
-----------
حكومة نتنياهو لا تريد قيام أي حرب مباشرة مع إيران، وهي مستمرة مع طهران في سياسة الحرب الباردة أو الحرب بالوكالة، إذ لا يمكن فصل الهجمات الإسرائيلية على سوريا وقطاع غزة، عن الهجمات الأمريكية - الإسرائيلية التي استهدفت معسكرات ما يسمى بـ «الحشد الشعبي» في العراق مراراً وتكراراً، كذلك لا تنفصل الهجمات الإسرائيلية في سوريا عن إسقاط أنصار الله «الحوثيين» في اليمن لطائرة أمريكية المسيرة واستهدافهم عدة مواقع عسكرية ونفطية في عمق الأراضي السعودية.
-------------
نتنياهو مدرك تماماً خطورة الاصطدام مع روسيا، إذ لا يريد تعكير صفو العلاقات الاستراتيجية التي تجمعه مع بوتين والكرملين، ولا يريد إيقاف التنسيق الأمني والعسكري بين روسيا و «إسرائيل» بأي شكل من الأشكال، وقمة القدس الثلاثية تشهد على تجذر وترسخ علاقات التحالف بين الطرفين.

كما أن العدو الصهيوني نجح في تحقيق عدة مكاسب لصالحه في سوريا، عندما استطاع تأمين غلافه في محيط الجليل الأعلى بعودة القوات الدولية إلى الجولان، وذلك بعد تفاهمات أمريكية - روسية في العاصمة الفنلندية هلسنكي في هذا الصدد في 16 تموز/يوليو عام 2018، ناهيك عن إعلان إدارة ترامب السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان في في 25 آذار/مارس عام 2019، وإكتساب ورقة ضغط استعراضية عندما صُنف حرس الثورة الإيرانية كمنظمة إرهابية في 8 نيسان/إبريل عام 2019.
------------
من ناحية أخرى القيادة العسكرية السورية سبق لها وأن تصدت عدة مرات للاعتداءات الإسرائيلية حين قامت بأسقاط طائرة F16 الصهيونية في 10 شباط/فبراير عام 2018، وبالتالي فهي لا تعجز عن التصدي لأي أهداف معادية متى شاءت، ومسألة الرد مرتبطة ومحكومة بتقديرات تكتيكية ولوجستية بالدرجة الأولى..

باعتقادي إن ما يهم الدولة السورية الآن هو ما ينجزه الجيش السوري ميدانياً، وتثبيت نقاطه في ريف الحسكة لمواجهة العدوان التركي وبالتالي مكافحة الإرهاب، فالعمليات العسكرية السورية المدعومة روسياً لن تتوقف، حتى تحرير كامل إدلب أو قد تتوقف مؤقتاً عند حدود السيطرة على الطرقات الدولية، والدولة السورية تعي أهمية التعاطي مع هذه المسائل جيداً
--------------
فصل الكلام إن مصير سوريا والشرق الأوسط ككل مرتبط بمخرجات صفقة القرن من جهة، ونتائج الانتخابات الأمريكية 2020 من جهة، وتداعيات سياسة اللاسلم واللاحرب الأمريكية تجاه إيران.

وإذا لم تجلس إيران مع اللاعبين الدوليين على مائدة المفاوضات، لمناقشة مستقبل الملاحة في الخليج العربي وتتوصل لاتفاق جديد حول ملفها النووي، فستبقى المنطقة برمتها تدور في حلقة مفرغة عنوانها نهب الولايات المتحدة للأموال الخليجية بصفقات الأسلحة وستستمر سياسة التدمير الممنهج لليمن، وتطبيق الحل السياسي في سورية سيظل محكوماً بالشلل.

خالد سرحان
كاتب ومحلل سياسي سوري